قلبك لتكون من المنذرين} . {ذو مرة فاستوى} المرة: الهيئة الحسنة، فهو ذو قوة، وذو جمال وحسن، وقد رآه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على صورته التي خُلق عليها له ستمائة جناح قد سد الأفق (١) ، فهو الذي نزل بهذا القرآن، حتى ألقاه على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى:{نزل به الروح الأَمين على قلبك لتكون من المنذرين} .
وقوله:{فاستوى} أي فعلى، أو فكمل؛ لأن الاستواء في اللغة العربية تارة يذكر مطلقاً دون أن يقيد، فيكون معناه الكمال، ومنه قوله تعالى:{ولما بلغ أشده آتيناه حكمًا وعلمًا} أي: كمل، وتارة يقيد بعلى فيكون معناه العلو، كما في قوله تعالى:{وجعل لكم من الفلك والأَنعام ما تركبون لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه} فقال: {لتستووا على ظهوره} ، وقال:{إذا استويتم عليه} أي: علوتم عليه، ومنه قوله تعالى فيما وصف به نفسه:{الرحمن على العرش استوى} أي: علا عليه - عز وجل - العلو الخاص بالعرش، وهذا غير العلو المطلق على جميع المخلوقات، وتارة يتعدى بإلى، ويقال: استوى إلى كذا، فيفسر بأنه القصد والانتهاء، ومنه قوله تعالى:{ثم استوى إلى السماء وهي دخان} وتارة يقيد بالواو فيكون معناه التساوي مثل قولهم: استوى الماء والخشبة، أي ساواه، فقوله هنا:{فاستوى} يحتمل أن
(١) أخرجه البخاري، كتاب بدء االق، باب إذا قال أحدكم: آمين (رقم ٣٢٣٢) و (رقم ٣٢٣٥) ومسلم، كتاب الإيمان، باب معنى قول الله عز وجل: {ولقد رآه نزلة أخرى} (رقم ١٧٧) (٢٩٠) .