الْآيَاتِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ رَجُلٌ إلّا وَقَدْ وَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ تُرَابًا، ثُمّ انْصَرَفَ إلَى حَيْثُ أَرَادَ أَنْ يَذْهَبَ فَأَتَاهُمْ آتٍ مِمّنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ فَقَالَ مَا تَنْتَظِرُونَ هَاهُنَا؟ قَالُوا: مُحَمّدًا، قَالَ خَيّبَكُمْ اللهُ قَدْ وَاَللهِ خَرَجَ عَلَيْكُمْ مُحَمّدٌ، ثُمّ مَا تَرَكَ مِنْكُمْ رَجُلًا إلّا وَقَدْ وَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ تُرَابًا، وَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ أَفَمَا تَرَوْنَ مَا بِكُمْ؟ قَالَ فَوَضَعَ كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ فَإِذَا عَلَيْهِ تُرَابٌ ثُمّ جَعَلُوا يَتَطَلّعُونَ فَيَرَوْنَ عَلِيّا عَلَى الْفِرَاشِ مُتَسَجّيًا بِبُرْدِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُونَ وَاَللهِ إنّ هَذَا لَمُحَمّدٌ نَائِمًا، عَلَيْهِ بُرْدُهُ. فَلَمْ يَبْرَحُوا كَذَلِكَ حَتّى أَصْبَحُوا فَقَامَ عَلِيّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَنْ الْفِرَاشِ فَقَالُوا: وَاَللهِ لَقَدْ كَانَ صَدَقَنَا الَّذِي حَدثنَا.
مَا نزل من الْقُرْآن فِي تَرَبّصِ الْمُشْرِكِينَ بِالنّبِيّ:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِمّا أَنْزَلَ اللهُ عَزّ وَجَلّ مِنْ الْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَمَا كَانُوا أَجْمَعُوا لَهُ {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الْأَنْفَالُ: ٣٠] ، وَقَوْلُ اللهِ عَزّ وَجَلّ: {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ قُلْ تَرَبّصُوا فَإِنّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبّصِينَ} [الطّورُ: ٣٠، ٣١] .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْمَنُونُ الْمَوْتُ. وَرَيْبُ الْمَنُونِ مَا يُرِيبُ وَيَعْرِضُ مِنْهَا. قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيّ:
ــ
وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ مَا أَنْزَلَ اللهُ فِي ذَلِكَ وَشَرَحَ ابْنُ هِشَامٍ رَيْبَ الْمَنُونِ وَأَنْشَدَ قَوْلَ أَبِي ذُؤَيْبٍ:
أَمِنْ الْمَنُونِ وَرَيْبِهِ تَتَفَجّعُ
وَالْمَنُونُ يُذَكّرُ وَيُؤَنّثُ فَمَنْ جَعَلَهَا عِبَارَةً عَنْ الْمَنِيّةِ أَوْ حَوَادِثِ الدّهْرِ أَنّثَ وَمَنْ جَعَلَهَا عِبَارَةً عَنْ الدّهْرِ ذَكّرَ وَرَيْبُ الْمَنُونِ مَا يَرِيبُك مِنْ تَغَيّرِ الْأَحْوَالِ فِيهِ سُمّيَتْ الْمَنُونَ لِنَزْعِهَا مِنَنَ الْأَشْيَاءِ أَيْ قُوَاهَا، وَقِيلَ بَلْ سُمّيَتْ مَنُونًا لِقَطْعِهَا دُونَ الْآمَالِ مِنْ قَوْلِهِمْ جَبَلٌ مُنَيْنٌ أَيْ مَقْطُوعٌ وَفِي التّنْزِيلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [التّينُ: ٦] أَيْ غَيْرُ مَقْطُوعٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute