للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنْكَارُهُمْ نُزُولَ كِتَابٍ بَعْدَ مُوسَى عَلَيْهِ السّلَامُ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودَ إلَى الْإِسْلَامِ وَرَغّبَهُمْ فِيهِ وَحَذّرَهُمْ غِيَرَ اللهِ وَعُقُوبَتَهُ فَأَبَوْا عَلَيْهِ وَكَفَرُوا بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ فَقَالَ لَهُمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَعُقْبَةُ بْنُ وَهْبٍ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ اتّقُوا اللهَ، فَوَاَللهِ إنّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنّهُ رَسُولُ اللهِ وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَذْكُرُونَهُ لَنَا قَبْلَ مَبْعَثِهِ وَتَصِفُونَهُ لَنَا بِصِفَتِهِ فَقَالَ رَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ، وَوَهْبُ بْنُ يَهُوذَا: مَا قُلْنَا لَكُمْ هَذَا قَطّ، وَمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتَابٍ بَعْدَ مُوسَى، وَلَا أَرْسَلَ بَشَرًا وَلَا نَذِيرًا بَعْدُ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الْمَائِدَة:١٩]

ــ

فَتَاهُوا، أَيّ تَحَيّرُوا، وَكَانُوا سِتّمِائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ فَتَاهُوا فِي سِتّةِ فَرَاسِخَ مِنْ الْأَرْضِ يَمْشُونَ النّهَارَ كُلّهُ ثُمّ يُمْسُونَ حَيْثُ أَصْبَحُوا، وَيُصْبِحُونَ حَيْثُ أَمْسَوْا. وَفِي ذَلِكَ السّنِينَ أَنْزَلَ عَلَيْهِمْ الْمَنّ وَالسّلْوَى، لِأَنّهُمْ شُغِلُوا عَنْ الْمَعَاشِ بِالتّيهِ فِي الْأَرْضِ وَأُبْقِيَتْ عَلَيْهِمْ ثِيَابُهُمْ لَا تَخْلَقُ وَلَا تَتّسِخُ وَتَطُولُ مَعَ الصّغِيرِ إذَا طَالَ وَفِيهَا اسْتَسْقَى لَهُمْ مُوسَى، فَأُمِرَ أَنْ يَأْخُذَ حَجَرًا مِنْ الطّورِ، فَيَضْرِبُهُ بِعَصَاهُ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا، وَفِيهَا ظَلّلَ عَلَيْهِمْ الْغَمَامَ لِأَنّهُمْ كَانُوا فِي الْبَرِيّةِ فَظُلّلُوا مِنْ الشّمْسِ وَذَلِكَ أَنّ مُوسَى كَانَ نَدِمَ حِينَ دَعَا عَلَيْهِمْ لِمَا رَأَى مِنْ جَهْدِهِمْ وَحَيْرَتِهِمْ فِي التّيهِ فَكَانَ يَدْعُو اللهَ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ لِئَلّا يَهْلِكُوا فِي التّيهِ جُوعًا أَوْ عُرْيًا أَوْ عَطَشًا، فَلَمّا آسَى عَلَيْهِمْ قَالَ لَهُ {فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [الْمَائِدَة: ٢٦] أَيْ لِلّذِينَ فَسَقُوا أَيْ خَرَجُوا عَنْ أَمْرِك - وَمَاتَ فِي أَيّامِ التّيهِ جَمِيعُ كِبَارِهِمْ إلّا يُوشَعُ وَكَالِبٌ فَمَا دَخَلَ الْأَرْضَ عَلَى الْجَبّارِينَ إلّا خُلُوفُهُمْ وَأَبْنَاؤُهُمْ وَقِيلَ إنّ مُوسَى مَاتَ فِي تِلْكَ السّنِينَ أَيْضًا وَلَمْ يَشْهَدْ الْفَتْحَ مَعَ يُوشَعَ وَقِيلَ بَلْ كَانَ مَعَ يُوشَعَ حِينَ افْتَتَحَهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>