للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي خَلْقِ عِيسَى

ثُمّ اسْتَقْبَلَ لَهُمْ أَمْرَ عِيسَى: عَلَيْهِ السّلَامُ وَكَيْفَ كَانَ بَدْءُ مَا أَرَادَ اللهُ بِهِ فَقَالَ {إِنّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرّيّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ثُمّ ذَكَرَ أَمْرَ امْرَأَةِ عمرَان وَقَوْلها: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبّ إِنّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرّرًا} أَيْ نَذَرْته فَجَعَلْته عَتِيقًا، تَعَبّدُهُ لِلّهِ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ لِشَيْءِ مِنْ الدّنْيَا: {فَتَقَبّلْ مِنّي إِنّكَ أَنْتَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ فَلَمّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبّ إِنّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذّكَرُ كَالْأُنْثَى} أَيْ لَيْسَ الذّكَرُ كَالْأُنْثَى لِمَا جَعَلْتهَا مُحَرّرًا لَك نَذِيرَةً {وَإِنّي سَمّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرّيّتَهَا مِنَ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ} يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {فَتَقَبّلَهَا رَبّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمرَان: ٣٣-٣٧] بَعْدَ أَبِيهَا وَأُمّهَا.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: كفلها: ضمهَا

ــ

احْتِجَاجُ الْقِسّيسِينَ لِلتّثْلِيثِ

فَصْلٌ وَذَكَرَ احْتِجَاجَ الْأَحْبَارِ وَالْقِسّيسِينَ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ بِقَوْلِهِ عَزّ وَجَلّ خَلَقْنَا وَأَمَرْنَا وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ وَقَالُوا: هَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ تَعَالَى اللهُ عَنْ قَوْلِهِمْ وَهَذَا مِنْ الزّيْغِ بِالْمُتَشَابِهِ دُونَ رَدّهِ إلَى الْمُحْكَمِ نَحْوَ قَوْلِهِ {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الْبَقَرَة: ١٦٣] و: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الاخلاص:١] وَالْعَجَبُ مِنْ ضَعْفِ عُقُولِهِمْ كَيْفَ احْتَجّوا عَلَى مُحَمّدٍ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمّدٍ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَعْنَى مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ لِأَنّ هَذَا اللّفْظَ الّذِي احْتَجّوا بِهِ مَجَازٌ عَرَبِيّ، وَلَيْسَ هُوَ لَفْظَ التّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَأَصْلُ هَذَا الْمَجَازِ فِي الْعَرَبِيّةِ أَنّ الْكِتَابَ إذَا صَدَرَ عَنْ حَضْرَةِ مَلِكٍ كَانَتْ الْعِبَارَةُ فِيهِ عَنْ الْمَلِكِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ دَلَالَةً عَلَى أَنّهُ كَلَامُ مَلِكٍ مَتْبُوعٍ عَلَى أَمْرِهِ وَقَوْلِهِ فَلَمّا خَاطَبَهُمْ اللهُ تَعَالَى بِهَذَا الْكِتَابِ الْعَزِيزِ أَنْزَلَهُ عَلَى مَذَاهِبِهِمْ فِي الْكَلَامِ وَجَاءَ اللّفْظُ فِيهِ عَلَى أُسْلُوبِ الْكَلَامِ الصّادِرِ عَنْ حَضْرَةِ الْمَلِكِ وَلَيْسَ هَذَا فِي غَيْرِ اللّسَانِ الْعَرَبِيّ وَلَا يَتَطَرّقُ هَذَا الْمَجَازُ فِي حُكْمِ الْعَقْلِ إلَى الْكَلَامِ الْقَدِيمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>