للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كُنْت مَعَهُمْ إذْ يَخْتَصِمُونَ فِيهَا. يُخْبِرُهُ بِخَفِيّ مَا كَتَمُوا مِنْهُ مِنْ الْعِلْمِ عِنْدَهُمْ لِتَحْقِيقِ نُبُوّتِهِ وَالْحُجّةِ عَلَيْهِمْ بِمَا يَأْتِيهِمْ بِهِ مِمّا أَخْفَوْا مِنْهُ.

ثُمّ قَالَ {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنّ اللهَ يُبَشّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} أَيْ هَكَذَا كَانَ أَمْرُهُ لَا كَمَا تَقُولُونَ فِيهِ {وَجِيهًا فِي الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ} أَيْ عِنْدَ اللهِ {وَمِنَ الْمُقَرّبِينَ وَيُكَلّمُ النّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصّالِحِينَ} يُخْبِرُهُمْ بِحَالَاتِهِ الّتِي يَتَقَلّبُ فِيهَا فِي عُمْرَهُ كَتَقَلّبِ بَنِي آدَمَ فِي أَعْمَارِهِمْ صِغَارًا وَكِبَارًا، إلّا أَنّ اللهَ خَصّهُ بِالْكَلَامِ فِي مَهْدِهِ آيَةً لِنُبُوّتِهِ وَتَعْرِيفًا لِلْعِبَادِ بِمَوَاقِعِ قُدْرَتِهِ. {قَالَتْ رَبّ أَنّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} أَيْ يَصْنَعُ مَا أَرَادَ وَيَخْلُقُ مَا يَشَاءُ مِنْ بَشَرٍ أَوْ غَيْرِ بَشَرٍ {إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ} مِمّا يَشَاءُ وَكَيْفَ يَشَاء {فَيَكُونُ} [آل عمرَان:٤٤-٤٧] كَمَا أَرَادَ.

ــ

الْمَلِكِ مُوَافَقَةً لِلْعَرَبِ فِي هَذَا الْأُسْلُوبِ مِنْ كَلَامِهَا، وَاخْتِصَاصِهَا بِعَادَةِ مُلُوكِهَا وَأَشْرَافِهَا، وَلَا نَنْظُرُ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبِذَلِك رُوجِعُوا، يَعْنِي: بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَاحْتَجّ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ خَبَرًا عَمّنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ مِنْ الْكُفّارِ إذْ يَقُولُ {رَبِّ ارْجِعُونِ} [الْمُؤْمِنُونَ:٩٩] فَيُقَالُ لَهُ هَذَا خَبَرٌ عَمّنْ حَضَرَتْهُ الشّيَاطِينُ أَلَا تَرَى قَبْلَهُ {وَأَعُوذُ بِكَ رَبّ أَنْ يَحْضُرُونِ} [الْمُؤْمِنُونَ:٩٩] فَلَمّا جَاءَ هَذَا حِكَايَةً عَمّنْ حَضَرَتْهُ الشّيَاطِينُ وَحَضَرَتْهُ زَبَانِيَةُ الْعَذَابِ وَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ فِي الْمَوْتِ مَا كَانَ يَعْتَادُهُ فِي الْحَيَاةِ مِنْ رَدّ الْأَمْرِ إلَى الْمَخْلُوقِينَ فَلِذَلِكَ خُلِطَ فَقَالَ رَبّ ثُمّ قَالَ ارْجِعُونِ وَإِلّا فَأَنْتَ أَيّهَا الرّجُلُ الْمُجِيزُ لِهَذَا اللّفْظِ فِي مُخَاطَبَةِ الرّبّ سُبْحَانَهُ هَلْ قُلْت قَطّ فِي دُعَائِك: ارْحَمُونِ يَا رَبّ وَارْزُقُونِ؟ بَلْ لَوْ سَمِعْت غَيْرَك يَقُولُهَا لَسَطَوْت بِهِ وَأَمّا قَوْلُ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْأَمْرُ عِنْدَنَا، أَوْ رَأَيْنَا كَذَا، أَوْ نَرَى كَذَا، فَإِنّمَا ذَلِكَ لِأَنّهُ قَوْلٌ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ وَلَوْ انْفَرَدَ بِهِ لَكَانَ بِدْعَةً وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ تَعْظِيمًا لِنَفْسِهِ لَا هُوَ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الدّينِ وَالدّعَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>