للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بُنِيَتْ عَلَى قَطَنٍ أَجَمّ كَأَنّهُ ... فُضُلًا إذَا قَعَدَتْ مَدَاكُ رُخَامِ

وَتَكَادُ تَكْسَلُ أَنْ تَجِيءَ فِرَاشَهَا ... فِي جِسْمِ خَرْعَبَةٍ وَحُسْنِ قَوَامِ

أَمّا النّهَارُ فَلَا أَفْتُرُ ذِكْرَهَا ... وَاللّيْلُ تُوزِعُنِي بِهَا أَحْلَامِي

أَقْسَمْت أَنْسَاهَا وَأَتْرُكُ ذِكْرَهَا ... حَتّى تُغَيّبَ فِي الضّرِيحِ عِظَامِي

يَا مَنْ لِعَاذِلَةِ تَلُومُ سَفَاهَةٌ ... وَلَقَدْ عَصَيْت عَلَى الْهَوَى لُوّامِي

بَكَرَتْ عَلَيّ بِسُحْرَةِ بَعْدَ الْكَرَى ... وَتَقَارُبٍ مِنْ حَادِثِ الْأَيّامِ

زَعَمَتْ بِأَنّ الْمَرْءَ يَكْرُبُ عُمْرَهُ ... عَدَمٌ لِمُعْتَكِرِ مِنْ الْأَصْرَامِ

إنْ كُنْت كَاذِبَةَ الّذِي حَدّثْتنِي ... فَنَجَوْت مَنْجَى الْحَارِثِ بْنِ هِشَامِ

ــ

إلّا مَنَامٌ وَإِلّا مَسِيرٌ وَمِنْ جِهَةِ النّظَرِ أَنّ الْمِيمَ لَمْ تُزَدْ إلّا لِمَعْنَى زَائِدٍ كَالزّوَائِدِ الْأَرْبَعِ فِي الْمُضَارِعِ وَعَلَى مَا قَالُوهُ تَكُونُ زَائِدَةً لِغَيْرِ مَعْنًى.

فَإِنْ قُلْت: فَمَا ذَاكَ الْمَعْنَى الّذِي تُعْطِيهِ الْمِيمُ؟

قُلْنَا: الْحَدَثُ يَتَضَمّنُ زَمَانًا وَمَكَانًا وَحَالًا، فَالْمَذْهَبُ عِبَارَةٌ عَنْ الزّمَانِ الّذِي فِيهِ الذّهَابُ وَعَنْ الْمَكَانِ أَيْضًا، فَهُوَ يُعْطِي مَعْنَى الْحَدَثِ وَشَيْئًا زَائِدًا عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ إذَا أَرَدْت الْحَدَثَ مَقْرُونًا بِالْحَالَةِ وَالْهَيْئَةِ الّتِي يَقَعُ عَلَيْهَا، قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [الرّوم:٢٣] فَأَحَالَ عَلَى التّفَكّرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الْمُسْتَمِرّةِ عَلَى الْبَشَرِ ثُمّ قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} [الْبَقَرَة:٢٥٥] وَلَمْ يَقُلْ مَنَامٌ لِخُلُوّ هَذَا الْمَوْطِنِ مِنْ تِلْكَ الْحَالَةِ وَتَعَرّيه مِنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى الزّائِدِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ جَوْهَرَ الْكَلَامِ لَمْ يَعْرِفْ إعْجَازَ الْقُرْآنِ.

عَوْدٌ إلَى شِعْرِ حَسّانٍ

وَفِي هَذَا الشّعْرِ

بُنِيَتْ عَلَى قَطَنٍ أَجَمّ كَأَنّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>