الْمَوْطِنَ الّذِي أَظْهَرَ اللهُ فِيهِ مَعَكُمْ مَا أَظْهَرَ مِنْ سَرَائِرِكُمْ لَبَرَزَ لَأَخْرَجَ {الّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمرَان:١٥٤] إِلَى مَوْطِنٍ غَيْرِهِ يَصْرَعُونَ فِيهِ حَتّى يَبْتَلِيَ بِهِ مَا فِي صُدُورِهِمْ {وَلِيُمَحّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمرَان:١٥٤] أَيْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَا فِي صُدُورِهِمْ مِمّا استخفوا بِهِ مِنْكُم.
تَحْذِيرُهُمْ أَنْ يَكُونُوا مِمّنْ يَخْشَوْنَ الْمَوْتَ فِي اللهِ
ثُمّ قَالَ {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [آل عمرَان:١٥٦] أَيْ لَا تَكُونُوا كَالْمُنَافِقِينَ الّذِينَ يَنْهَوْنَ إخْوَانَهُمْ عَنْ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالضّرْبُ فِي الْأَرْضِ فِي طَاعَةِ اللهِ عَزّ وَجَلّ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقُولُونَ إذَا مَاتُوا أَوْ قُتِلُوا: لَوْ أَطَاعُونَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا {لِيَجْعَلَ اللهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ} لِقِلّةِ الْيَقِينِ بِرَبّهِمْ " {وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ} أَيْ يُعَجّلُ مَا يَشَاءُ وَيُؤَخّرُ مَا يَشَاءُ مِنْ ذَلِكَ مَنْ أَجَابَهُمْ بِقُدْرَتِهِ.
قَالَ تَعَالَى: {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [آل عمرَان:١٥٧] أَيْ إنّ الْمَوْتَ لَكَائِنٌ لَا بُدّ مِنْهُ فَمَوْتٌ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ قَتْلٌ خَيْرٌ لَوْ عَلِمُوا وَأَيْقَنُوا مِمّا يَجْمَعُونَ مِنْ الدّنْيَا الّتِي لَهَا يَتَأَخّرُونَ عَنْ الْجِهَادِ تَخَوّفَ الْمَوْتِ وَالْقَتْلِ لِمَا جَمَعُوا مِنْ زَهْرَةِ الدّنْيَا زَهَادَةً فِي الْآخِرَةِ {وَلَئِنْ مُتّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ} [آل عمرَان:١٥٨] أَيْ ذَلِكَ كَانَ {لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} [آل عمرَان:١٥٨] أَيْ إنّ إلَى اللهِ الْمَرْجِعَ فَلَا تَغُرّنكُمْ الدّنْيَا، وَلَا تَغْتَرّوا بِهَا، وَلِيَكُنْ الْجِهَادُ وَمَا رَغّبَكُمْ اللهُ فِيهِ مِنْ ثَوَابِهِ آثَرَ عِنْدَكُمْ مِنْهَا.
ذِكْرُهُ رَحْمَةَ الرّسُولِ عَلَيْهِمْ
ثُمّ قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّا غَلِيظَ
ــ
وَقَوْلُهُ {يَظُنّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ} [آل عمرَان:١٥٤] أَيْ يَظُنّونَ أَنّ اللهَ خَاذِلٌ دِينَهُ وَنَبِيّهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute