للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبد الْمطلب فِي الْكَعْبَة يستنصر بِاللَّه على رد أَبْرَهَة:

فَلَمّا انْصَرَفُوا عَنْهُ انْصَرَفَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ إلَى قُرَيْشٍ، فَأَخْبَرَهُمْ الْخَبَرَ، وَأَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنْ مَكّةَ، وَالتّحَرّزِ١ فِي شَعَفِ٢ الْجِبَالِ وَالشّعَابِ٣ تَخَوّفًا عَلَيْهِمْ مِنْ مَعَرّةِ٤ الْجَيْشِ ثُمّ قَامَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ، فَأَخَذَ بِحَلْقَةِ بَابِ الْكَعْبَةِ، وَقَامَ مَعَهُ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَدْعُونَ اللهَ ويستنصرونه عَلَى أَبْرَهَةَ وَجُنْدِهِ فَقَالَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ وَهُوَ آخِذٌ بِحَلْقَةِ بَابِ الْكَعْبَةِ:

لَا هُمّ إنّ الْعَبْدَ يَمْ ... نَعُ رَحْلَهُ فَامْنَعْ حَلَالَك٥

لَا يَغْلِبَن صَلِيبَهُمْ ... وَمِحَالُهُمْ غَدْوًا مَحَالُك

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا مَا صَحّ لَهُ مِنْهَا.

ــ

رَجُلٍ وَأَجْمَلُهُ فَأَفْرَدَ الِاسْمَ الْمُضْمَرَ الْتِفَاتًا إلَى هَذَا الْمَعْنَى، وَهُوَ عِنْدِي مَحْمُولٌ عَلَى الْجِنْسِ كَأَنّهُ حِينَ ذَكَرَ النّاسَ قَالَ هُوَ أَجْمَلُ هَذَا الْجَنْسِ مِنْ الْخَلْقِ وَإِنّمَا عَدَلْنَا عَنْ ذَلِكَ التّقْدِيرِ الْأَوّلِ لِأَنّ فِي الْحَدِيثِ الصّحِيحِ "خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الْإِبِلَ صَوَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ: أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدِهِ فِي صِغَرِهِ وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ"٦، وَلَا يَسْتَقِيمُ هَهُنَا حَمْلُهُ عَلَى الْإِفْرَادِ لِأَنّ الْمُفْرَدَ هَهُنَا امْرَأَةٌ فَلَوْ نَظَرَ إلَى وَاحِدِ النّسَاءِ لَقَالَ أَحْنَاهَا عَلَى وَلَدِهِ فَإِذًا التّقْدِيرُ أَحْنَى هَذَا الْجَنْسِ الّذِي هُوَ النّسَاءُ وَهَذَا الصّنْفُ وَنَحْوُ هَذَا.

وَذَكَرَ قَوْلَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ:


١ التَّحَرُّز: التمنع، ويروى: "التَّحَرُّز"، وَهُوَ أَن ينحاز إِلَى جِهَة ويتمنع.
٢ شعف الْجبَال: رؤوسها.
٣ الشعاب: الْمَوَاضِع الْخفية بَين الرِّجَال.
٤ معرة الْجَيْش: شدته.
٥ لاهم: أَصْلهَا اللَّهُمَّ. الْحَلَال "بِالْكَسْرِ": جمع حلَّة, وَهِي جمَاعَة الْبيُوت.
٦ مُتَّفق عَلَيْهِ، وَأحمد فِي "مُسْنده" عَن أبي هُرَيْرَة.

<<  <  ج: ص:  >  >>