وَإِيلَافُ قُرَيْشٍ: إيلَافُهُمْ الْخُرُوجُ إلَى الشّامِ فِي تِجَارَتِهِمْ وَكَانَتْ لَهُمْ خَرْجَتَانِ خَرْجَةٌ فِي الشّتَاءِ وَخَرْجَةٌ فِي الصّيْفِ. أَخْبَرَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ: أَنّ الْعَرَبَ تَقُولُ أَلِفْت الشّيْءَ إلْفًا، وَآلَفْتُهُ إيلَافًا، فِي مَعْنًى وَاحِدٍ وَأَنْشَدَنِي لِذِي الرّمّةِ:
مِنْ الْمُؤْلِفَاتِ الرّمْلَ أَدْمَاءُ حُرّةٍ١ ... شُعَاعُ الضّحَى فِي لَوْنِهَا يَتَوَضّحُ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَقَالَ مَطْرُودُ بْنُ كَعْبٍ الْخُزَاعِيّ:
الْمُنْعِمِينَ إذَا النّجُومُ تَغَيّرَتْ ... وَالظّاعِنِينَ لِرِحْلَةِ الْإِيلَافِ
ــ
وَذَكَرَ إيلَافَ قُرَيْشٍ لِلرّحْلَتَيْنِ وَقَالَ هُوَ مَصْدَرُ أَلِفْت الشّيْءَ وَآلَفْتُهُ فَجَعَلَهُ مِنْ الْإِلْفِ لِلشّيْءِ وَفِيهِ تَفْسِيرٌ آخَرُ أَلْيَقُ لِأَنّ السّفَرَ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ وَلَا تَأْلَفُهُ النّفْسُ وَإِنّمَا تَأْلَفُ الدّعَةَ وَالْكَيْنُونَةَ مَعَ الْأَهْلِ. قَالَ الْهَرَوِيّ: هِيَ حِبَالٌ أَيْ عُهُودٌ كَانَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مُلُوكِ الْعَجَمِ، فَكَانَ هَاشِمٌ يُؤَالِفُ إلَى مَلِكِ الشّامِ، وَكَانَ الْمُطّلِبُ يُؤَالِفُ إلَى كِسْرَى، وَالْآخَرَانِ يُؤَالِفَانِ أَحَدُهُمَا إلَى مَلِكِ مِصْرَ، وَالْآخَرُ إلَى مَلِكِ الْحَبَشَةِ، وَهُمَا: عَبْدُ شَمْسٍ وَنَوْفَلٌ. قَالَ وَمَعْنَى يُؤَالِفُ يُعَاهِدُ وَيُصَالِحُ وَنَحْوُ هَذَا، فَيَكُونُ الْفِعْلُ مِنْهُ أَيْضًا آلَفَ عَلَى وَزْنِ فَاعَلَ وَالْمَصْدَرُ إلَافًا بِغَيْرِ يَاءٍ مِثْلُ قِتَالًا، وَيَكُونُ الْفِعْلُ مِنْهُ أَيْضًا آلَفَ عَلَى وَزْنِ أَفْعَلَ مِثْلُ آمَنَ وَيَكُونُ الْمَصْدَرُ إيلَافًا بِالْيَاءِ مِثْلُ إيمَانًا، وَقَدْ قُرِئَ لِإِلَافِ قُرَيْشٍ بِغَيْرِ يَاءٍ وَلَوْ كَانَ مِنْ آلَفْت الشّيْءَ عَلَى وَزْنِ أَفْعَلْت إذَا أَلِفْته لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ صَحِيحَةً وَقَدْ قَرَأَهَا ابْنُ عَامِرٍ فَدَلّ هَذَا عَلَى صِحّةِ مَا قَالَهُ الْهَرَوِيّ، وَقَدْ حَكَاهُ عَمّنْ تَقَدّمَهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ إسْحَاقَ أَنّ اللّامَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} مُتَعَلّقَةٌ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} وَقَدْ قَالَهُ غَيْرُهُ وَمَذْهَبُ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ: أَنّهَا مُتَعَلّقَةٌ بِقَوْلِهِ: {فَلْيَعْبُدُوا رَبّ هَذَا الْبَيْتِ} أَيْ فَلْيَعْبُدُوهُ مِنْ أَجْلِ مَا فَعَلَ بِهِمْ. وَقَالَ قَوْمٌ هِيَ لَامُ التّعَجّبِ وَهِيَ مُتَعَلّقَةٌ بِمُضْمَرِ كَأَنّهُ قَالَ اعْجَبْ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ، كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - حِينَ دُفِنَ "سُبْحَانَ اللهِ لَهَذَا الْعَبْدُ
١ الأدماء من الظباء: السمراء الظّهْر الْبَيْضَاء الْبَطن.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute