وَتَلَاحَقَ بِهِ النّاسُ فَأَتَى رِجَالٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَلَمْ يُصَلّوا الْعَصْرَ لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَا يُصَلّيَنّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إلّا بِبَنِي قُرَيْظَةَ" فَشَغَلَهُمْ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ بُدّ فِي حَرْبِهِمْ وَأَبَوْا أَنْ يُصَلّوا، لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ حَتّى تَأْتُوا بَنِي قُرَيْظَةَ فَصَلّوْا الْعَصْرَ بِهَا، بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ فَمَا عَابَهُمْ اللهُ بِذَلِكَ فِي كِتَابِهِ وَلَا عَنّفَهُمْ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدّثَنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالك الْأنْصَارِيّ.
حصارهم ومقالة كَعْب بن أَسد لَهُم:
[قَالَ] :
وَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً حَتّى جَهِدَهُمْ الْحِصَارُ وَقَذَفَ اللهُ فِي قُلُوبِهِمْ الرّعْبَ
ــ
حَدِيثٍ أَوْ آيَةٍ فَقَدْ صَلّتْ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ قَبْل أَنْ تَغْرُبَ الشّمْسُ وَقَالُوا: لَمْ يُرِدْ النّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إخْرَاجَ الصّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا، وَإِنّمَا أَرَادَ الْحَثّ وَالْإِعْجَالَ فَمَا عُنّفَ أَحَدٌ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنّ كُلّ مُخْتَلِفَيْنِ فِي الْفُرُوعِ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ مُصِيبٌ وَفِي حُكْمِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ فِي الْحَرْثِ أَصْلٌ لِهَذَا الْأَصْلِ أَيْضًا، فَإِنّهُ قَالَ سُبْحَانَهُ {فَفَهّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الْأَنْبِيَاءَ:٧٩] وَلَا يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ الشّيْءُ صَوَابًا فِي حَقّ إنْسَانٍ وَخَطَأً فِي حَقّ غَيْرِهِ فَيَكُونُ مَنْ اجْتَهَدَ فِي مَسْأَلَةٍ فَأَدّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى التّحْلِيلِ مُصِيبًا فِي اسْتِحْلَالِهِ وَآخَرُ اجْتَهَدَ فَأَدّاهُ اجْتِهَادُهُ وَنَظَرُهُ إلَى تَحْرِيمِهَا، مُصِيبًا فِي تَحْرِيمِهَا، وَإِنّمَا الْمُحَالُ أَنْ يُحْكَمَ فِي النّازِلَةِ بِحُكْمَيْنِ مُتَضَادّيْنِ فِي حَقّ شَخْصٍ وَاحِدٍ وَإِنّمَا عَسُرَ فَهْمُ هَذَا الْأَصْلِ عَلَى طَائِفَتَيْنِ الظّاهِرِيّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، أَمّا الظّاهِرِيّةُ فَإِنّهُمْ عَلّقُوا الْأَحْكَامَ بِالنّصُوصِ فَاسْتَحَالَ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ النّصّ يَأْتِي بِحَظْرِ وَإِبَاحَةٍ مَعًا إلّا عَلَى وَجْهِ النّسْخِ وَأَمّا الْمُعْتَزِلَةُ، فَإِنّهُمْ عَلّقُوا الْأَحْكَامَ بِتَقْبِيحِ الْعَقْلِ وَتَحْسِينِهِ فَصَارَ حُسْنُ الْفِعْلِ عِنْدَهُمْ أَوْ قُبْحُهُ صِفَةَ عَيْنٍ فَاسْتَحَالَ عِنْدَهُمْ أَنْ يَتّصِفَ فِعْلٌ بِالْحُسْنِ فِي حَقّ زَيْدٍ وَالْقُبْحِ فِي حَقّ عَمْرٍو،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute