فَدَعْ الدّيَارَ وَذِكْرَ كُلّ خَرِيدَةٍ ... بَيْضَاءَ آنِسَةِ الْحَدِيثِ كَعَابِ
وَاشْكُ الْهُمُومَ إلَى الْإِلَهِ وَمَا تَرَى ... مِنْ مَعْشَرٍ ظَلَمُوا الرّسُولَ غِضَابِ
سَارُوا بِأَجْمَعِهِمْ إلَيْهِ وَأَلّبُوا ... أَهْلَ الْقُرَى وَبَوَادِيَ الْأَعْرَابِ
جَيْشٌ عُيَيْنَةُ وَابْنُ حَرْبٍ فِيهِمْ ... مُتَخَمّطُونَ بِحَلْبَةِ الْأَحْزَابِ
حَتّى إذَا وَرَدُوا الْمَدِينَةَ وَارْتَجَوْا ... قَتْلَى الرّسُولِ وَمَغْنَمَ الْأَسْلَابِ
وَغَدَوْا عَلَيْنَا قَادِرِينَ بِأَيْدِهِمْ ... رُدّوا بِغَيْظِهِمْ عَلَى الْأَعْقَابِ
بِهُبُوبِ مُعْصِفَةٍ تُفَرّقُ جَمْعَهُمْ ... وَجُنُودِ رَبّك سَيّدِ الْأَرْبَابِ
ــ
فِيهِ شَاهِدٌ لِمَنْ زَعَمَ أَنّ السّيّدَ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ وَقَدْ كَرِهَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ أَنْ يَقُولَ فِي الدّعَاءِ يَا سَيّدِي، وَأَجَازَهُ بَعْضُهُمْ وَاحْتَجّ بِحَدِيثِ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِالْقَوِيّ أَنّ النّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا سَيّدُ فَقَالَ " السّيّدُ اللهُ "
وَأَمّا مَذْهَبُ الْقَاضِي فِي مِثْلِ هَذَا مِنْ الْأَسْمَاءِ الّتِي يُرَادُ بِهَا الْمَدْحُ وَالتّعْظِيمُ فَذِكْرُ اللهِ بِهِ جَائِزٌ مَا لَمْ يَرِدْ نَهْيٌ عَنْهُ أَوْ تُجْمِعْ الْأُمّةُ عَلَى تَرْكِ الدّعَاءِ بِهِ كَمَا أَجْمَعُوا أَلّا يُسَمّى بِفَقِيهِ وَلَا عَاقِلٍ وَلَا سَخِيّ وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ مَدْحٌ.
قَالَ الْمُؤَلّفُ وَاَلّذِي أَقُولُ فِي السّيّدِ أَنّهُ اسْمٌ يُعْتَبَرُ بِالْإِضَافَةِ لِأَنّهُ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ بَعْضُ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ. تَقُولُ فُلَانٌ سَيّدُ قَيْسٍ، إذَا كَانَ وَاحِدًا مِنْهُمْ وَلَا يُقَالُ فِي قَيْسٍ هُوَ سَيّدُ تَمِيمٍ لِأَنّهُ لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهُمْ فَكَذَلِكَ لَا يُقَالُ فِي اللهِ تَعَالَى: هُوَ سَيّدُ النّاسِ وَلَا سَيّدُ الْمَلَائِكَةِ وَإِنّمَا يُقَالُ رَبّهُمْ فَإِذَا قُلْت: سَيّدُ الْأَرْبَابِ وَسَيّدُ الْكُرَمَاءِ جَازَ لِأَنّ مَعْنَاهُ أَكْرَمُ الْكُرَمَاءِ وَأَعْظَمُ الْأَرْبَابِ ثُمّ يُشْتَقّ لَهُ مِنْ اسْمِ الرّبّ فَيُوصَفُ بِالرّبُوبِيّةِ وَلَا يُوصَفُ بِالسّؤْدُدِ لِأَنّهُ لَيْسَ لَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَقَدْ جَاءَ فِي شِعْرِ حَسّانَ الّذِي يَرْثِي بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَا ذَا الْجَلَالِ وَذَا الْعُلَا وَالسّؤْدَدِ
يَصِفُ الرّبّ وَلَكِنْ لَا تَقُومُ الْحُجّةُ فِي إطْلَاقِ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ إلّا أَنْ يَسْمَعَهَا الرّسُولُ عَلَيْهِ السّلَامُ فَلَا يُنْكِرَهَا، كَمَا سَمِعَ شِعْرَ كَعْبٍ فَلَمْ يُنْكِرْهُ