فِي كُلّ سَابِغَةٍ تَخُطّ فُضُولُهَا ... كَالنّهْيِ هَبّتْ رِيحُهُ الْمُتَرَقْرِقِ
بَيْضَاءَ مُحْكَمَةٍ كَأَنّ قَتِيرَهَا ... حَدَقُ الْجَنَادِبِ ذَاتِ شَكّ مُوثَقِ
جَدْلَاءَ يَحْفِزُهَا نِجَادُ مُهَنّدٍ ... صَافِي الْحَدِيدَةِ صَارِمٍ ذِي رَوْنَقِ
تِلْكُمْ مَعَ التّقْوَى تَكُونُ لِبَاسَنَا ... يَوْمَ الْهِيَاجِ وَكُلّ سَاعَةِ مَصْدَقِ
نَصِلُ السّيُوفَ إذَا قَصُرْنَ بِخَطْوِنَا ... قُدُمًا وَنُلْحِقُهَا إذَا لَمْ تَلْحَقْ
ــ
وَقَوْلُهُ فِي وَصْفِ الدّرْعِ:
جَدْلَاءَ يَحْفِزُهَا نِجَادُ مُهَنّدٍ
جَدْلَاءَ مِنْ الْجَدَلِ وَهُوَ قُوّةُ الْفَتْلِ وَمِنْهُ الْأَجْدَلُ لِلصّقْرِ وَفِي هَذَا الْبَيْتِ دَلِيلٌ عَلَى قُوّةِ امْتِنَاعِ الصّرْفِ فِي أَجْدَلَ وَأَنّهُ مِنْ بَابِ أَفْعَلَ الّذِي مُؤَنّثُهُ فَعْلَاءُ وَمَنْ صَرَفَهُ شَبّهَهُ بِأَرْنَبِ وَأَفْكَلٍ وَهُوَ أَضْعَفُ الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ كَانُوا قَدْ قَالُوا فِي جَمْعِهِ أَجَادِلُ مِثْلَ أَرَانِبَ فَقَدْ قَالُوا أَيْضًا: الْأَجَارِعُ وَالْأَبَاطِحُ فِي جَمْعِ أَجْرَعَ وَأَبْطَحَ وَلَكِنّهُمْ لَا يَصْرِفُونَهُمَا مِنْ حَيْثُ قَالُوا فِي الْمُؤَنّثِ بَطْحَاءَ وَجَرْعَاءَ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي أَبْرَقَ وَبَرْقَاءَ.
وَقَوْلُهُ: يَحْفِزُهَا نِجَادُ مُهَنّدٍ كَقَوْلِ [أَبِي قَيْسِ] بْنِ الْأَسْلَتِ فِي وَصْفِ الدّرْعِ
أَحْفِزُهَا عَنّي بِذِي رَوْنَقٍ ... أَبْيَضَ مِثْلِ الْمَلِحِ قَطّاعِ
وَذَلِكَ أَنّ الدّرْعَ إذَا طَالَتْ فُضُولُهَا حَفَزُوهَا، أَيْ شَمّرُوهَا فَرَبَطُوهَا بِنِجَادِ السّيْفِ. وَقَوْلُهُ
تِلْكُمْ مَعَ التّقْوَى تَكُون لِبَاسَنَا
مِنْ أَجْوَدِ الْكَلَامِ وَأَمْلَحِ الِالْتِفَاتَاتِ لِأَنّهُ قَوْلٌ انْتَزَعَهُ مِنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَلِبَاسُ التّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الْأَعْرَافَ ٢٦] . وَقَالَ الشّاعِرُ
إنّي كَأَنّي أَرَى مَنْ لَا وَفَاءَ لَهُ ... وَلَا أَمَانَةَ وَسْطَ الْقَوْمِ عُرْيَانَا