ثُمّ بَعَثُوا إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ الثّقَفِيّ ; فَقَالَ "يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنّي قَدْ رَأَيْت مَا يَلْقَى مِنْكُمْ مَنْ بَعَثْتُمُوهُ إلَى مُحَمّدٍ إذْ جَاءَكُمْ مِنْ التّعْنِيفِ وَسُوءِ اللّفْظِ وَقَدْ عَرَفْتُمْ أَنّكُمْ وَالِدٌ وَإِنّي وَلَدٌ - وَكَانَ عُرْوَةُ لِسُبَيْعَةَ بِنْتِ عَبْدِ شَمْسٍ - وَقَدْ سَمِعْت بِاَلّذِي نَابَكُمْ فَجَمَعْت مَنْ أَطَاعَنِي مِنْ قَوْمِي، ثُمّ جِئْتُكُمْ حَتّى آسَيْتُكُمْ بِنَفْسِي، قَالُوا: صَدَقْت، مَا أَنْتَ عِنْدَنَا بِمُتّهَمِ. فَخَرَجَ حَتّى أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمّ قَالَ يَا مُحَمّدُ أَجَمَعْت أَوْشَابَ النّاسِ ثُمّ جِئْت بِهِمْ إلَى بَيْضَتِك لِتَفُضّهَا بِهِمْ إنّهَا قُرَيْشٌ قَدْ خَرَجَتْ مَعَهَا الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ. قَدْ لَبِسُوا جُلُودَ النّمُورِ يُعَاهِدُونَ اللهَ لَا تَدْخُلُهَا عَلَيْهِمْ عَنْوَةً أَبَدًا وَاَيْمُ اللهِ لَكَأَنّي بِهَؤُلَاءِ قَدْ انْكَشَفُوا عَنْك غَدًا. قَالَ وَأَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ فَقَالَ اُمْصُصْ بَظْرَ اللّاتِ، أَنَحْنُ نَتَكَشّفُ عَنْهُ؟ قَالَ مَنْ هَذَا يَا مُحَمّدُ؟ قَالَ هَذَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ، قَالَ أَمَا وَاَللهِ لَوْلَا يَدٌ كَانَتْ لَك عِنْدِي لَكَافَأْتُك بِهَا، وَلَكِنّ هَذِهِ بِهَا، قَالَ ثُمّ جَعَلَ يَتَنَاوَلُ لِحْيَةَ
ــ
وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي الْجَمَاعَةِ هُمْ لِي صَدِيقٌ وَعَدُوّ. وَفِي التّنْزِيلِ {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النّسَاءُ٦٩] فَيُفْرَدُ لِأَنّهُ صِفَةٌ لِفَرِيقِ وَحِزْبٍ وَيَقْبُحُ أَنْ تَقُولَ قَوْمُك ضَاحِكٌ أَوْ بَاكٍ وَإِنّمَا يَحْسُنُ هَذَا إذَا وَصَفْت بِصَدِيقِ وَرَفِيقٍ وَعَدُوّ لِأَنّهَا صِفَةٌ تَصْلُحُ لِلْفَرِيقِ وَالْحِزْبِ لِأَنّ الْعَدَاوَةَ وَالصّدَاقَةَ صِفَتَانِ مُتَضَادّتَانِ فَإِذَا كَانَ عَلَى أَحَدِهِمَا الْفَرِيقُ الْوَاحِدُ كَانَ الْآخَرُ عَلَى ضِدّهَا، وَكَانَتْ قُلُوبُ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ فِي تِلْكَ الصّفَةِ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ فِي عُرْفِ الْعَادَةِ فَحَسُنَ الْإِفْرَادُ وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِثْلُ هَذَا فِي الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَنَحْوِهِ حَتّى يُقَالَ هُمْ قَاعِدٌ أَوْ قَائِمٌ كَمَا يُقَالُ هُمْ صَدِيقٌ لِمَا قَدّمْنَاهُ مِنْ الِاتّفَاقِ وَالِاخْتِلَافِ. وَأَمّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} [غَافِرٌ ٦٧] ، بِلَفْظِ الْإِفْرَادِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ} [النّورُ ٥٩] فَالْأَحْسَنُ فِي حُكْمِ الْبَلَاغَةِ أَنْ يُعَبّرَ عَنْ الْأَطْفَالِ الرّضّعِ بِالطّفْلِ فِي الْوَاحِدِ وَالْجَمِيعِ لِأَنّهُمْ مَعَ حِدْثَانِ الْوِلَادَةِ كَالْجِنْسِ الّذِي يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ بِلَفْظِ وَاحِدٍ أَلَا تَرَى أَنّ بَدْءَ الْخَلْقِ طِينٌ ثُمّ مَنِيّ، وَالْمَنِيّ جِنْسٌ لَا يَتَمَيّزُ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ فَلِذَلِكَ لَا يُجْمَعُ وَكَذَلِكَ الطّينُ ثُمّ يَكُونُ الْخَلْقُ عَلَقًا، وَهُوَ الدّمُ فَيَكُونُ ذَلِكَ جِنْسًا، ثُمّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute