للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَكُونُ مِيرَاثًا وَعَقْدًا مُحْكَمًا، لَيْسَتْ كَبَعْضِ مَا قَدْ تَعْلَمُ وَهِيَ بَيْنَ الْفَرْثِ وَالدّمِ.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا الْكَلَامُ وَالْكَلَامُ الّذِي قَبْلَهُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيّ فِي حَفْرِ زَمْزَمَ مِنْ قَوْلِهِ"لَا تَنْزِفُ أَبَدًا وَلَا تُذَمّ" إلَى قَوْلِهِ"عِنْدَ قَرْيَةِ النّمْلِ" عِنْدَنَا سَجْعٌ وَلَيْسَ شِعْرًا.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَزَعَمُوا أَنّهُ حِينَ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ وَأَيْنَ هِيَ؟ قِيلَ لَهُ عِنْدَ قَرْيَةِ النّمْلِ، حَيْثُ يَنْقُرُ الْغُرَابُ غَدًا. وَاَللهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِك كَانَ.

فَعدا عَبْدُ الْمُطّلِبِ وَمَعَهُ ابْنُهُ الْحَارِثُ وَلَيْسَ لَهُ يَوْمَئِذٍ وَلَدٌ غَيْرُهُ فَوَجَدَ قَرْيَةَ النّمْلِ، وَوَجَدَ الْغُرَابَ يَنْقُرُ عِنْدَهَا. بَيْنَ الْوَثَنَيْنِ إسَافَ وَنَائِلَةَ اللّذَيْنِ كَانَتْ قُرَيْشٌ تَنْحَرُ عِنْدَهُمَا ذَبَائِحَهَا. فَجَاءَ بِالْمِعْوَلِ وَقَامَ لِيَحْفِرَ حَيْثُ أُمِرَ فَقَامَتْ إلَيْهِ قُرَيْشٌ حِينَ رَأَوْا جِدّهُ فَقَالُوا: وَاَللهِ لَا نَتْرُكُك تَحْفِرُ بَيْنَ وَثَنَيْنَا هَذَيْنِ اللّذَيْنِ نَنْحَرُ عِنْدَهُمَا، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ لِابْنِهِ الْحَارِثِ ذُدْ عَنّي حَتّى أَحْفِرَ، فَوَاَللهِ لَأَمْضِيَنّ لِمَا أُمِرْت بِهِ. فَلَمّا عَرَفُوا أَنّهُ نَازِعٌ خَلّوْا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَفْرِ، وَكَفّوا عَنْهُ فَلَمْ يَحْفِرْ إلّا يَسِيرًا، حَتّى بَدَا لَهُ الطّيّ، فَكَبّرَ وَعَرَفَ أَنّهُ قَدْ صُدِقَ فَلَمّا تَمَادَى بِهِ الْحَفْرُ وَجَدَ فِيهَا غَزَالَيْنِ مِنْ

ــ

لَا يُصَغّرُ عَلَى لَفْظِهِ كَمَا تُصَغّرُ أَسْمَاءُ الْجُمُوعِ فَلَا يُقَالُ فِي الْعَبِيدِ عُبَيّدٌ، وَلَا فِي النّخِيلِ: نُخَيّلٌ بَلْ يُرَدّ إلَى وَاحِدِهِ كَمَا تُرَدّ الْجُمُوعُ فِي التّصْغِيرِ فَيُقَالُ نُخَيْلَاتٌ وَعُبَيْدُونَ وَإِذَا قُلْت: نَخِيلٌ أَوْ عَبِيدٌ، فَهُوَ اسْمٌ يَتَنَاوَلُ الصّغِيرَ وَالْكَبِيرَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ {وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ} [الرَّعْد: ٤] وَقَالَ {وَمَا رَبّكَ بِظَلّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فُصّلَتْ ٤٦] وَحِينَ ذَكَرَ الْمُخَاطَبِينَ مِنْهُمْ قَالَ الْعِبَادُ وَكَذَلِكَ قَالَ حِينَ ذَكَرَ الثّمَرَ مِنْ النّخِيلِ: {وَالنّخْلَ بَاسِقَاتٍ} [ق: ١٠] وَقَالَ: {أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [الْقَمَرَ: ٢٠] فَتَأَمّلْ الْفَرْقَ بَيْنَ الْجَمْعَيْنِ فِي حُكْمِ الْبَلَاغَةِ وَاخْتِيَارِ الْكَلَامِ، وَأَمّا فِي مَذْهَبِ أَهْلِ اللّغَةِ فَلَمْ يُفَرّقُوا هَذَا التّفْرِيقَ وَلَا نَبّهُوا عَلَى هَذَا الْغَرَضِ الدّقِيقِ.


=والحطب، والإبيل بِكَسْر الْهمزَة وتضعيف الْبَاء مَعَ كسرهَا: الْقطعَة من الطير وَالْخَيْل، وَقيل هِيَ مُفْرد أبابيل، وَرُبمَا كَانَت إبِلا.

<<  <  ج: ص:  >  >>