للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَكْرٍ. فَبَيْنَا أَنَا مَعَ أَخ لِي خَلْفَ بُيُوتِنَا نَرْعَى بَهْمًا لَنَا. إذْ أَتَانِي رَجُلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ بِطَسْتِ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٍ ثَلْجًا. ثُمّ أَخَذَانِي فَشَقّا بَطْنِي، وَاسْتَخْرَجَا قَلْبِي، فَشَقّاهُ فَاسْتَخْرَجَا مِنْهُ عَلَقَةً سَوْدَاءَ فَطَرَحَاهَا. ثُمّ غَسَلَا قَلْبِي وَبَطْنِي بِذَلِكَ الثّلْجِ حَتّى أَنْقَيَاهُ ثُمّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ زِنْهُ بِعَشَرَةِ مِنْ أُمّتِهِ فَوَزَنَنِي بِهِ فَوَزَنْتهمْ ثُمّ قَالَ زِنْهُ بِمِئَةِ مِنْ أُمّتِهِ. فَوَزَنَنِي بِهِمْ فَوَزَنْتهمْ ثُمّ قَالَ زِنْهُ بِأَلْفِ مِنْ أُمّتِهِ فَوَزَنَنِي بِهِمْ فَوَزَنْتهمْ. فَقَالَ دَعْهُ عَنْك، فَوَاَللهِ لَوْ وَزَنْته بأمته لوزنها".

ــ

فَأَخْرَجَ مَعَهُ مَغْمَزَ الشّيْطَانِ وَعَلَقَ الدّمِ فَطَرَحَهُمَا، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اغْسِلْ بَطْنَهُ غَسْلَ الْإِنَاءِ وَاغْسِلْ قَلْبَهُ غَسْلَ الْمُلَاءِ ثُمّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ خُطّ بَطْنَهُ فَخَاطَ بَطْنِي، وَجَعَلَ الْخَاتَمَ بَيْنَ كَتِفَيّ كَمَا هُوَ الْآنَ وَوَلّيَا عَنّي، فَكَأَنّي أُعَايِنُ الْأَمْرَ مُعَايَنَةً" فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانٌ لِمَا أُبْهِمَ فِي الْأَوّلِ لِأَنّهُ قَالَ فَأَخْرَجَ مِنْهُ مَغْمَزَ الشّيْطَانِ وَعَلَقَ الدّمِ فَبَيّنَ أَنّ الّذِي اُلْتُمِسَ فِيهِ هُوَ الّذِي يَغْمِزُهُ الشّيْطَانُ مِنْ كُلّ مَوْلُودٍ إلّا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمّهُ١ - عَلَيْهِمَا السّلَامُ - لِقَوْلِ أُمّهَا حُنّةَ {وَإِنّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرّيّتَهَا مِنَ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ} [آلَ عِمْرَانَ: ٣٦] . فَلَمْ يَصِلْ إلَيْهِ لِذَلِكَ وَلِأَنّهُ لَمْ يُخْلَقْ مِنْ مَنِيّ الرّجَالِ فَأُعِيذُهُ مِنْ مَغْمَزٍ وَإِنّمَا خُلِقَ مِنْ نَفْخَةِ رُوحِ الْقُدُسِ، وَلَا يَدُلّ هَذَا عَلَى فَضْلِ عِيسَى عَلَيْهِ السّلَامُ عَلَى مُحَمّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنّ مُحَمّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ نُزِعَ مِنْهُ ذَلِكَ الْمَغْمَزُ وَمُلِئَ قَلْبُهُ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، بَعْدَ أَنْ غَسَلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ بِالثّلْجِ وَالْبَرَدِ وَإِنّمَا كَانَ ذَلِكَ الْمَغْمَزُ فِيهِ لِمَوْضِعِ الشّهْوَةِ الْمُحَرّكَةِ لِلْمَنِيّ وَالشّهَوَاتُ يَحْضُرُهَا الشّيَاطِينُ لَا سِيمَا شَهْوَةُ مَنْ لَيْسَ بِمُؤْمِنِ فَكَانَ ذَلِكَ الْمَغْمَزُ رَاجِعًا إلَى الْأَبِ لَا إلَى الِابْنِ الْمُطَهّرِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وَفِي الْحَدِيثِ فَائِدَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ مِنْ نَفِيسِ الْعِلْمِ وَذَلِكَ أَنّ خَاتَمَ النّبُوّةِ لَمْ


١ يُشِير إِلَى مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم: "مَا من مَوْلُود يُولد إِلَّا نخسه الشَّيْطَان، فَيَسْتَهِل صَارِخًا من النخسة الشَّيْطَان إِلَّا ابْن مَرْيَم وَأمه، قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: اقرؤوا إِن شِئْتُم: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمرَان:٣٦]

<<  <  ج: ص:  >  >>