للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ مِمّا هَاجَ أُمّهُ السّعْدِيّةَ عَلَى رَدّهِ إلَى أُمّهِ مَعَ مَا ذَكَرَتْ لِأُمّهِ مِمّا أَخْبَرَتْهَا عَنْهُ أَنّ نَفَرًا مِنْ الْحَبَشَةِ نَصَارَى رَأَوْهُ مَعَهَا حِينَ رَجَعَتْ بِهِ بَعْدَ فِطَامِهِ فَنَظَرُوا إلَيْهِ وَسَأَلُوهَا عَنْهُ وَقَلّبُوهُ ثُمّ قَالُوا لَهَا: لَنَأْخُذَنّ هَذَا الْغُلَامَ، فَلَنَذْهَبَنّ بِهِ إلَى مُلْكِنَا وَبَلَدِنَا ; فَإِنّ هَذَا غُلَامٌ كَائِنٌ لَهُ شَأْنٌ نَحْنُ نَعْرِفُ أَمْرَهُ فَزَعَمَ الّذِي حَدّثَنِي أَنّهَا لَمْ تَكَدْ تَنْفَلِتُ بِهِ مِنْهُمْ.

ــ

كَمَا أُلْقِيَ فِي الْمَرّةِ الْأُولَى. ذَكَرَ هَذَا الْمَعْنَى ابْنُ إسْحَاقَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْبَكّائِيّ. وَفِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ لِلْقُتَبِيّ "بُعِثَ مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ رَاعِي غَنَمٍ وَبُعِثَ دَاوُدُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ رَاعِي غَنَمٍ وَبُعِثْت، وَأَنَا رَاعِي غَنَمِ أَهْلِي بِأَجْيَادِ"١ وَإِنّمَا جَعَلَ اللهُ هَذَا فِي الْأَنْبِيَاءِ تَقْدِمَةً لَهُمْ لِيَكُونُوا رُعَاةَ الْخَلْقِ وَلِتَكُونَ أُمَمُهُمْ رَعَايَا لَهُمْ وَقَدْ رَأَى رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنّهُ يَنْزِعُ عَلَى قَلِيبٍ٢ وَحَوْلَهَا غَنَمٌ سُودٌ وَغَنَمٌ عُفْرٌ٣ قَالَ ثُمّ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فَنَزَعَ نَزْعًا ضَعِيفًا، وَاَللهُ يَغْفِرُ لَهُ ثُمّ جَاءَ عُمَرُ فَاسْتَحَالَتْ غَرْبًا يَعْنِي: الدّلْوَ فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيّا يَفْرِي فَرِيّهُ فَأَوّلَهَا النّاسُ فِي الْخِلَافَةِ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَر رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، وَلَوْلَا ذِكْرُ الْغَنَمِ السّودِ وَالْعُفْرِ لَبَعُدَتْ الرّؤْيَا عَنْ مَعْنَى الْخِلَافَةِ وَالرّعَايَةِ إذْ الْغَنَمُ السّودُ وَالْعُفْرُ عِبَارَةٌ عَنْ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، وَأَكْثَرُ الْمُحَدّثِينَ لَمْ يَذْكُرُوا الْغَنَمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ. ذَكَرَهُ الْبَزّارُ فِي مُسْنَدِهِ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَيْضًا، وَبِهِ يَصِحّ الْمَعْنَى، وَاَللهُ أَعْلَمُ.

فِي كَفَالَةِ الْعَمّ:

فَصْلٌ:

وَذَكَرَ كَوْنَ النّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كَفَالَةِ عَمّهِ يَكْلَؤُهُ وَيَحْفَظُهُ. فَمِنْ حِفْظِ اللهُ لَهُ فِي


١ جبل بِمَكَّة، وهما أجيادان كَبِير وصغير، وهما محلتان بِمَكَّة.
٢ القليب: الْبِئْر قبل أَن تبنى بِالْحِجَارَةِ وَنَحْوهَا يذكر وَيُؤَنث. وَنزع الدَّلْو: استقى بهَا.
٣ العفر: جمع عفراء: مَا يعلوا بياضها حمرَة.

<<  <  ج: ص:  >  >>