للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عَظِيمٌ أَوْ يُولَدُ عَظِيمٌ" وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى مَا قَدّمْنَاهُ مِنْ أَنّ الْقَذْفَ بِالنّجُومِ كَانَ قَدِيمًا، وَلَكِنّهُ إذْ بُعِثَ الرّسُولُ عَلَيْهِ السّلَامُ وَغَلّظَ وَشَدّدَ - كَمَا قَالَ الزّهْرِيّ - وَمُلِئَتْ السّمَاءُ حَرَسًا. وَقَوْلُهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ "وَقَدْ انْقَطَعَتْ الْكِهَانَةُ الْيَوْمَ فَلَا كِهَانَةَ" يَدُلّ قَوْلُهُ "الْيَوْمَ" عَلَى تَخْصِيصِ ذَلِكَ الزّمَانِ كَمَا قَدّمْنَاهُ وَاَلّذِي انْقَطَعَ الْيَوْمَ وَإِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَنْ تُدْرِكَ الشّيَاطِينُ مَا كَانَتْ تُدْرِكُهُ فِي الْجَاهِلِيّةِ الْجَهْلَاءِ وَعِنْدَ تَمَكّنِهَا مِنْ سَمَاعِ أَخْبَارِ السّمَاءِ وَمَا يُوجَدُ الْيَوْمَ مِنْ كَلَامِ الْجِنّ عَلَى أَلْسِنَةِ الْمَجَانِينِ إنّمَا هُوَ خَبَرٌ مِنْهُمْ عَمّا يَرَوْنَهُ فِي الْأَرْضِ مِمّا لَا نَرَاهُ نَحْنُ كَسَرِقَةِ سَارِقٍ أَوْ خَبِيئَتِهِ فِي مَكَانٍ خَفِيّ١ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَإِنْ أَخْبَرُوا بِمَا سَيَكُونُ كَانَ تَخَرّصًا وَتَظَنّيًا، فَيُصِيبُونَ قَلِيلًا، وَيُخْطِئُونَ كَثِيرًا.

وَذَلِكَ الْقَلِيلُ الّذِي يُصِيبُونَ هُوَ مِمّا يَتَكَلّمُ بِهِ الْمَلَائِكَةُ فِي الْعَنَانِ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيّ، فَيُطْرَدُونَ بِالنّجُومِ فَيُضِيفُونَ إلَى الْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كِذْبَةٍ - كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ - فِي الْحَدِيثِ الّذِي قَدّمْنَاهُ فَإِنْ قُلْت: فَقَدْ كَانَ صَافُ بْنُ صَيّادٍ وَكَانَ يَتَكَهّنُ وَيَدّعِي النّبُوّةَ وَخَبّأَ لَهُ النّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَبِيئًا، فَعَلِمَهُ وَهُوَ الدّخّ٢ فَأَيْنَ انْقِطَاعُ الْكِهَانَةِ فِي ذَلِكَ الزّمَانِ؟ قُلْنَا: عَنْ هَذَا جَوَابَانِ أَحَدُهُمَا ذَكَرَهُ الْخَطّابِيّ فِي أَعْلَامِ الْحَدِيثِ قَالَ الدّخّ نَبَاتٌ يَكُونُ مِنْ النّخِيلِ، وَخَبّأَ لَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدّخّانُ: ١٠] ، فَعَلَى هَذَا لَمْ يُصِبْ ابْنُ صَيّادٍ مَا خَبّأَ لَهُ النّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

الثّانِي: أَنّ شَيْطَانَهُ كَانَ يَأْتِيهِ بِمَا خَفِيَ مِنْ أَخْبَارِ الْأَرْضِ وَلَا يَأْتِيهِ بِخَبَرِ السّمَاءِ


١ هَذَا إفْك يفتريه الدجاجلة, وَلَا بَأْس نذْكر بقوله تَعَالَى: {فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} [سبأ: ١٤] فلنتدبر هَذِه الْآيَة المحكمة وَعِنْدهَا نؤمن بِأَن الْجِنّ لَا يعْرفُونَ غيبا كَمَا بَين الله تَعَالَى.
٢ بِضَم الدَّال وَفتحهَا: الدُّخان, يَقُول ابْن الْأَثِير فِي "النِّهَايَة": وَفسّر فِي الحَدِيث أَنه أَرَادَ بذلك {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدُّخان: ١٠] وَقيل إِن الدَّجَّال يقْتله عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام بجبل الدُّخان

<<  <  ج: ص:  >  >>