للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي} أَيْ ثِقَلَ مَا حَمّلْتُكُمْ مِنْ عَهْدِي: {قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشّاهِدِينَ} [آلُ عِمْرَانَ: ٨١] . فَأَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النّبِيّينَ جَمِيعًا بِالتّصْدِيقِ لَهُ وَالنّصْرِ لَهُ مِمّنْ خَالَفَهُ وَأَدّوْا ذَلِكَ إلَى مَنْ آمَنَ بِهِمْ وَصَدّقَهُمْ مِنْ أَهْلِ هذَيْن الْكِتَابَيْنِ.

أول مَا بُدِئَ بِهِ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرُّؤْيَا الصادقة:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَذَكَرَ الزّهْرِيّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنّهَا حَدّثَتْهُ أَنّ: أَوّلَ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ النّبُوّةِ حِينَ أَرَادَ اللهُ كَرَامَتَهُ وَرَحْمَةَ الْعِبَادِ بِهِ الرّؤْيَا الصّادِقَةُ لَا يَرَى رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُؤْيَا فِي نَوْمِهِ إلّا جَاءَتْ كَفَلَقِ الصّبْحِ قَالَتْ وَحَبّبَ اللهُ تَعَالَى إلَيْهِ الْخَلْوَةَ فَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَحَبّ إلَيْهِ مِنْ أَنْ يَخْلُو وَحده.

ــ

إعْرَابُ لَمَا آتَيْتُكُمْ:

وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ قَوْلَ اللهِ سُبْحَانَهُ {وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النّبِيّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ} [آل عمرَان: ١٨] الْآيَةُ١. وَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ اسْمٌ مُبْتَدَأٌ بِمَعْنَى: الّذِي، وَالتّقْدِيرُ لَلّذِي آتَيْنَاكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ وَلَا يَصِحّ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى إضْمَارِ فِعْلٍ كَمَا يَنْتَصِبُ مَا يَشْتَغِلُ عَنْهُ الْفِعْلُ بِضَمِيرِهِ لِأَنّ مَا بَعْدَ اللّامِ الثّانِيَةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ فِيمَا قَبْلَهَا، وَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ مَا قَبْلَهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَفْسِيرًا لِمَا يَعْمَلُ فِيهِ وَقَدْ قِيلَ إنّ مَا هَذِهِ شَرْطٌ. وَالتّقْدِيرُ لَمَهْمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ لَتُؤْمِنُنّ بِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ سِيبَوَيْهِ لِأَنّهُ جَعَلَهَا بِمَنْزِلَةِ إنّ وَقَوْلُ الْخَلِيلِ إنّهَا بِمَنْزِلَةِ الّذِي، أَيْ إنّهَا اسْمٌ لَا حَرْفٌ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ قَوْلَيْهِمَا عَلَى هَذَا، فَتَكُونُ اسْمًا، وَتَكُونُ شَرْطًا، وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ عَلَى قَوْلِ الْخَلِيلِ خَبَرِيّةً فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ وَيَكُونَ الْخَبَرُ لَتُؤْمِنُنّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنّهُ وَإِنْ كَانَ الضّمِيرَانِ عَائِدَيْنِ عَلَى الرّسُولِ لَا عَلَى الّذِي، وَلَكِنْ لَمّا قَالَ {رَسُولُ مُصَدّقٌ لِمَا


١ يَقُول طَاوس وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَقَتَادَة فِي تَفْسِير الْآيَة: "أَخذ الله مِيثَاق النَّبِيين أَن يصدق بَعضهم بَعْضًا", وَهَذَا التَّفْسِير حق, وتنكير كلمة رَسُول فِي الْآيَة يُؤَيّدهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>