للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُجَاوِرُ ذَاتَ الشّهْرِ مِنْ كُلّ سَنَةٍ يُطْعِمُ مَنْ جَاءَهُ مِنْ الْمَسَاكِينِ فَإِذَا قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِوَارَهُ مِنْ شَهْرِهِ ذَلِكَ كَانَ أَوّلَ مَا يَبْدَأُ بِهِ - إذَا انْصَرَفَ مِنْ جِوَارِهِ - الْكَعْبَةُ، قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ فَيَطُوفُ بِهَا سَبْعًا، أَوْ مَا شَاءَ اللهُ مِنْ ذَلِك، ثُمّ يَرْجِعُ إلَى بَيْتِهِ حَتّى إذَا كَانَ الشّهْرُ الّذِي أَرَادَ اللهُ تَعَالَى بَهْ فِيهِ مَا أَرَادَ مِنْ كَرَامَتِهِ مِنْ السّنَةِ الّتِي بَعَثَهُ اللهُ تَعَالَى فِيهَا، وَذَلِكَ الشّهْرُ شَهْرُ رَمَضَانَ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى حِرَاءٍ، كَمَا كَانَ يَخْرُجُ لِجِوَارِهِ وَمَعَهُ أَهْلُهُ حَتّى إذَا كَانَتْ اللّيْلَةُ الّتِي أَكْرَمَهُ اللهُ فِيهَا بِرِسَالَتِهِ

ــ

وَقِيلَ كُلّ إنَاءٍ كُشِفَ عَنْهُ غِطَاؤُهُ جَدَفٌ وَالْجَدَفُ الْقَبْرُ مِنْ هَذَا، فَلَهُ مَادّةٌ وَأَصْلٌ فِي الِاشْتِقَاقِ فَأَجْدَرُ بِأَنْ تَكُونَ الْفَاءُ هِيَ الْأَصْلَ وَالِثَاءُ دَاخِلَةً عَلَيْهَا١.

حَوْلَ مُجَاوَرَتِهِ فِي حِرَاءٍ:

وَقَوْلُهُ يُجَاوِرُ فِي حِرَاءٍ إلَى آخِرِ الْكَلَامِ. الْجِوَارُ بِالْكَسْرِ فِي مَعْنَى الْمُجَاوَرَةِ وَهِيَ الِاعْتِكَافُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْجِوَارِ وَالِاعْتِكَافِ إلّا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنّ الِاعْتِكَافَ لَا يَكُونُ إلّا دَاخِلَ الْمَسْجِدِ وَالْجِوَارَ قَدْ يَكُونُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرّ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُسَمّ جِوَارُهُ بِحِرَاءِ اعْتِكَافًا، لِأَنّ حِرَاءَ لَيْسَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَكِنّهُ مِنْ جِبَالِ الْحَرَمِ، وَهُوَ الْجَبَلُ الّذِي نَادَى رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ قَالَ لَهُ ثَبِيرٌ وَهُوَ عَلَى ظَهْرِهِ اهْبِطْ عَنّي ; فَإِنّي أَخَافُ أَنْ تُقْتَلَ عَلَى ظَهْرِي فَأُعَذّبُ فَنَادَاهُ حِرَاءٌ: إلَيّ إلَيّ يَا رَسُولَ اللهِ٢.


١ الجدف بِالذَّالِ وَالدَّال: الْقَبْر, وَكَذَلِكَ الجدث, وَفِي "الْقَامُوس" عَن الجدف أَنه نَبَات بِالْيمن يُغني آكله عَن شرب المَاء عَلَيْهِ.
٢ حَدِيث يرْوى فِي السّير, وَذكره القَاضِي عِيَاض فِي "الشفا" بِلَا سَنَد فَهِيَ أسطورة.

<<  <  ج: ص:  >  >>