فَتْرَة الْوَحْي ونزول سُورَة الضُّحَى:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ فَتَرَ الْوَحْيُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتْرَةً مِنْ ذَلِكَ حَتّى شَقّ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَأَحْزَنَهُ فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ بِسُورَةِ الضّحَى، يَقْسِمُ لَهُ رَبّهُ وَهُوَ الّذِي أَكْرَمَهُ بِمَا أَكْرَمَهُ بِهِ مَا وَدّعَهُ وَمَا قَلَاهُ فَقَالَ تَعَالَى: {وَالضّحَى وَاللّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدّعَكَ رَبّكَ وَمَا قَلَى} . يَقُولُ مَا صَرَمَكَ فَتَرَكَك، وَمَا أَبْغَضَك مُنْذُ أَحَبّك. {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى} أَيْ لِمَا عِنْدِي مِنْ مَرْجِعِك إلَيّ خَيْرٌ لَك مِمّا عَجّلْت لَك مِنْ الْكَرَامَةِ فِي الدّنْيَا. {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبّكَ فَتَرْضَى} مِنْ الْفَلْجِ فِي الدّنْيَا، وَالثّوَابِ فِي الْآخِرَةِ {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى وَوَجَدَكَ ضَالّا فَهَدَى وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى} [الضُّحَى: ١-٨] يُعَرّفُهُ اللهُ مَا ابْتَدَأَهُ بِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ فِي عَاجِلِ أَمْرِهِ وَمَنّهِ عَلَيْهِ فِي يُتْمِهِ وَضَلَالَتِهِ وَاسْتِنْقَاذِهِ مِنْ ذَلِكَ كُله برحمته.
تَفْسِير ابْن هِشَام لمفردات سُورَة الضُّحَى:
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: سَجَى: سَكَنَ. قَالَ أُمَيّةُ بْنُ أَبِي الصّلْتِ الثّقَفِيّ:
ــ
ذَكَرْنَاهُ أَوّلَ هُوَ مَعْنَى قَوْلِ أَكْثَرِ السّلَفِ وَالسّلَامَةُ خَصْلَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ خِصَالِ السّلَامِ١.
فَتْرَةَ الْوَحْيِ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ فَتْرَةَ الْوَحْيِ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَذْكُرْ مِقْدَارَ مُدّةِ الْفَتْرَةِ وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ الْمُسْنَدَةِ أَنّهَا كَانَتْ سَنَتَيْنِ وَنِصْفِ سَنَةٍ فَمِنْ هُنَا يَتّفِقُ مَا قَالَهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنّ مُكْثَهُ بِمَكّةَ كَانَ عَشَرَ سِنِينَ وَقَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ: ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً وَكَانَ قَدْ اُبْتُدِئَ بِالرّؤْيَا الصّادِقَةِ سِتّةَ أَشْهُرٍ فَمَنْ عَدّ مُدّةَ الْفَتْرَةِ وَأَضَافَ إلَيْهَا الْأَشْهُرَ السّتّةَ كَانَتْ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ، وَمَنْ عَدّهَا مِنْ حِينِ حَمِيَ الْوَحْيِ وَتَتَابَعَ كَمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ كَانَتْ عَشْرَ سِنِينَ. وَوَجْهٌ آخَرُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ أَيْضًا، وَهُوَ
١ فِي "النِّهَايَة" عَن السَّلَام: "سَلَامَته مِمَّا يلْحق الْخلق من الْعَيْب والفناء والشلام فِي الأَصْل: السَّلامَة" وَعند الرَّاغِب فِي "مفرداته": وصف بذلك من حَيْثُ لَا يلْحقهُ الْعُيُوب والآفات الَّتِي تلْحق الْخلق. وَانْظُر "بَدَائِع الْفَوَائِد": ٢/١٣٥.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute