للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خُوَيْلِدِ قَدِمَ مِنْ الشّامِ بِرَقِيقِ١ فِيهِمْ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَصِيفٌ. فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ عَمّتُهُ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَهِيَ يَوْمئِذٍ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهَا: اخْتَارِي يَا عَمّةُ أَيّ هَؤُلَاءِ الْغِلْمَانِ شِئْت فَهُوَ لَك، فَاخْتَارَتْ زَيْدًا فَأَخَذَتْهُ فَرَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهَا، فَاسْتَوْهَبَهُ مِنْهَا، فَوَهَبَتْهُ لَهُ فَأَعْتَقَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَبَنّاهُ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إلَيْهِ.

شعر حَارِثَة حِين فقد ابْنه زيدا، وقدومه على رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسْأَله رده عَلَيْهِ:

وَكَانَ أَبُوهُ حَارِثَةُ قَدْ جَزَعَ عَلَيْهِ جَزَعًا شَدِيدًا، وَبَكَى عَلَيْهِ حِينَ فَقَدَهُ فَقَالَ:

بَكَيْت عَلَى زَيْدٍ وَلَمْ أَدْرِ مَا فَعَلَ ... أَحَيّ، فَيُرْجَى أَمْ أَتَى دُونَهُ الْأَجَلْ

فَوَاَللهِ مَا أَدْرِي، وَإِنّي لَسَائِلٌ ... أَغَالَك بَعْدِي السّهْلُ أَمْ غَالَك الْجَبَلْ

وَيَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ لَك الدّهْرُ أَوْبَةٌ ... فَحَسْبِي مِنْ الدّنْيَا رُجُوعُك لِي بَجَلْ

تُذَكّرُنِيهِ الشّمْسُ عِنْدَ طُلُوعِهَا ... وَتَعْرِضُ ذِكْرَاه إذَا غَرْبهَا أَفَلْ

وَإِنْ هَبّتْ الْأَرْوَاحُ هَيّجْنَ ذِكْرَهُ ... فَيَا طُولُ مَا حُزْنِي عَلَيْهِ وَمَا وَجَلْ

ــ

أَحِنّ إلَى أَهْلِي، وَإِنْ كُنّ نَائِيًا ... بِأَنّي قَعِيدُ الْبَيْتِ عِنْدَ الْمَشَاعِرِ

فَكُفّوا مِنْ الْوَجْدِ الّذِي قَدْ شَجَاكُمْ ... وَلَا تُعْمِلُوا فِي الْأَرْضِ نَصّ الْأَبَاعِرِ

فَإِنّي بِحَمْدِ اللهِ فِي خَيْرِ أُسْرَةٍ ... كِرَامِ مَعَدّ كَابِرًا بَعْدَ كَابِرِ

فَبَلَغَ أَبَاهُ قَوْلُهُ فَجَاءَ هُوَ وَعَمّهُ كَعْبٌ حَتّى وَقَفَا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكّةَ وَذَلِكَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَقَالَا لَهُ يَا بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، يَا بْنَ سَيّدِ قَوْمِهِ أَنْتُمْ جِيرَانُ اللهِ وَتَفُكّونَ الْعَانِيَ وَتُطْعِمُونَ الْجَائِعَ وَقَدْ جِئْنَاكُمْ فِي ابْنِنَا عَبْدِك، لِتُحْسِنَ إلَيْنَا فِي فِدَائِهِ فَقَالَ "أَوَغَيْرُ ذَلِكَ"؟ فَقَالَا: وَمَا هُوَ؟ فَقَالَ اُدْعُوهُ وَأُخَيّرُهُ فَإِنْ اخْتَارَكُمَا فَذَاكَ وَإِنْ اخْتَارَنِي فَوَاَللهِ مَا أَنَا بِاَلّذِي أَخْتَارُ عَلَى مَنْ اخْتَارَنِي أَحَدًا", فَقَالَا لَهُ قَدْ زِدْت عَلَى النّصْفِ فَدَعَاهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمّا جَاءَ قَالَ "مِنْ هَذَانِ فَقَالَ هَذَا أَبِي حَارِثَةُ بْنُ شَرَاحِيلَ وَهَذَا عَمّي: كَعْبُ بْنُ شَرَاحِيلَ، فَقَالَ "قَدْ خَيّرْتُك إنْ شِئْت


١ وَذَلِكَ أَن أم زيد, وَهِي سعدي بنت ثَعْلَبَة, من بني معن من طَيء, كَانَت قد خرجت بزيد لتزيره أَهلهَا, فأصابته خيل من بني الْقَيْن بن جسر, فباعوه بسوق حُبَاشَة, وَهِي من أسواق الْعَرَب, وَزيد يَوْمئِذٍ ابْن ثَمَانِيَة أَعْوَام.

<<  <  ج: ص:  >  >>