وَلَمّا رَأَيْت الْقَوْمَ لَا وُدّ فِيهِمْ ... وَقَدْ قَطَعُوا كُلّ الْعُرَى وَالْوَسَائِلِ
وَقَدْ صَارَحُونَا بِالْعَدَاوَةِ وَالْأَذَى ... وَقَدْ طَاعُوا أَمْرَ الْعَدُوّ الْمُزَايِلِ
وَقَدْ حَالَفُوا قَوْمًا عَلَيْنَا أَظِنّةً ... يَعَضّونَ غَيْظًا خَلْفَنَا بِالْأَنَامِلِ
صَبَرْت لَهُمْ نَفْسِي بِسَمْرَاءَ سَمْحَةٍ ... وَأَبْيَضَ عَضْبٍ مِنْ تُرَاثِ الْمَقَاوِلِ
ــ
الْمَقَاوِلِ. قَدْ شَرَحْنَا الْأَقْيَالَ وَالْمَقَاوِلَ فِيمَا تَقَدّمَ وَتُرَاثٌ أَصْلُهُ وُرَاثٌ مِنْ وَرِثْت، وَلَكِنْ لَا تُبْدَلُ هَذِهِ الْوَاوُ تَاءً إلّا فِي مَوَاضِعَ مَحْفُوظَةٍ وَعِلّتُهَا كَثْرَةُ وُجُودِ التّاءِ فِي تَصَارِيفِ الْكَلِمَةِ فَالتّرَاثُ مَالٌ قَدْ تُوُورِثَ وَتَوَارَثَهُ قَوْمٌ عَنْ قَوْمٍ فَالتّاءُ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي التّوْرِيثِ وَالتّوَارُثِ وَكَذَلِكَ تُجَاهُ الْبَيْتِ التّاءُ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي التّوَجّهِ وَالتّوْجِيهِ وَنَحْوِهِ فَلَمّا أَلْفَوْهَا فِي تَصَارِيفِ الْكَلِمَةِ لَمْ يُنْكِرُوا قَلْبَ الْوَاوِ إلَيْهَا، كَمَا فَعَلُوا فِي رَيْحَانٍ وَهُوَ مِنْ الرّوْحِ لِكَثْرَةِ الْيَاءِ فِي تَصَارِيفِ الْكَلِمَةِ كَمَا قَدّمْنَا قَبْلُ وَهِيَ فِي تُرَاثٍ وَبَابِهِ أَبْعَدُ لِأَنّ الْيَاءَ الْمَأْلُوفَةَ فِي مَادّةِ الْكَلِمَةِ زَائِدَةٌ وَيَاءُ رَيْحَانٍ لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ التّكَأَةُ مِنْ تَوَكّأْت وَتَتْرَى مِنْ التّوَاتُرِ وَالتّوَلّجُ مِنْ التّوَلّجِ وَالْمُتّلِجِ لِأَنّهُمْ يَقُولُونَ اتّلَجَ بِالتّشْدِيدِ فَتَصِيرُ الْوَاوُ تَاءً لِلْإِدْغَامِ حَتّى يَقُولُوا: مُتّلِجٌ فَيَجْعَلُونَهَا تَاءً دُونَ الْإِدْغَامِ. هَذَا أَشْبَهُ بِقِيَاسِ رَيْحَانٍ وَبَابِهِ فَإِنّ التّاءَ الْأُولَى مِنْ مُتّلِجٍ أَصْلِيّةٌ وَهِيَ فِي مُتّلِجٍ إذَا ضُعّفَتْ أَصْلِيّةٌ أَيْضًا، فَهِيَ هِيَ فَقِفْ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ فَإِنّهُ سِرّ الْبَابِ. وَأَرَادَ بِالْمَقَاوِلِ آبَاءَهُ شَبّهَهُمْ بِالْمُلُوكِ وَلَمّا يَكُونُوا مُلُوكًا، وَلَا كَانَ فِيهِمْ مِنْ مَلِكٍ بِدَلِيلِ حَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ حِينَ قَالَ لَهُ هِرَقْلُ: هَلْ كَانَ فِي آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ فَقَالَ لَا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا السّيْفُ الّذِي ذَكَرَ أَبُو طَالِبٍ مِنْ هِبَاتِ الْمُلُوكِ لِأَبِيهِ فَقَدْ وَهَبَ ابْنُ ذِي يَزَنَ لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ هِبَاتٍ جَزْلَةً حِينَ وَفَدَ عَلَيْهِ مَعَ قُرَيْشٍ، يُهَنّئُونَهُ بِظَفْرِهِ بِالْحَبَشَةِ وَذَلِكَ بَعْدَ مَوْلِدِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَامَيْنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute