للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا كَانَ يُؤْذِي بِهِ النَّضر بن الْحَارِث رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وَكَانَ النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ مِنْ شَيَاطِينِ قُرَيْشٍ، وَمِمّنْ كَانَ يُؤْذِي رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَنْصِبُ لَهُ الْعَدَاوَةَ وَكَانَ قَدْ قَدِمَ الْحِيرَةَ، وَتَعَلّمَ بِهَا أَحَادِيثَ مُلُوكِ الْفُرْسِ، وَأَحَادِيثَ رُسْتُمَ وإسفندياذ، فَكَانَ إذَا جَلَسَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَجْلِسًا فَذَكّرَ فِيهِ بِاَللهِ وَحَذّرَ قَوْمَهُ مَا أَصَابَ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنْ الْأُمَمِ مِنْ نِقْمَةِ اللهِ خَلَفَهُ فِي مَجْلِسِهِ إذَا قَامَ ثُمّ قَالَ أَنَا وَاَللهِ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَحْسَنُ حَدِيثًا مِنْهُ فَهَلُمّ إلَيّ فَأَنَا أُحَدّثُكُمْ أَحْسَنَ مِنْ حَدِيثِهِ ثُمّ يُحَدّثُهُمْ عَنْ مُلُوكِ فَارِسَ وَرُسْتُمَ وإسفندياذ. ثُمّ يَقُولُ بِمَاذَا مُحَمّدٌ أَحْسَنُ حَدِيثًا مِنّي؟

ــ

فَإِنّ الِاسْتِفْهَامَ وَاقِعٌ بَعْدَهَا نَحْوَ {هَلْ يُهْلَكُ إِلّا الْقَوْمُ الظّالِمُونَ} [الْأَنْعَامِ ٤٧] . وَهَذَا هُوَ الّذِي مَنَعَ سِيبَوَيْهِ فِي: أَرَأَيْت وَأَرَأَيْتُكَ أَبُو مَنْ أَنْتَ؟ وَأَمّا الْبَيَانُ فَاَلّذِي قَالَهُ سِيبَوَيْهِ صَحِيحٌ وَلَكِنْ إذَا وَلّى الِاسْتِفْهَامَ أَرَأَيْت، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مَفْعُولٌ سِوَى الْجُمْلَةِ وَأَمّا فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الّتِي فِي التّنْزِيلِ فَلَيْسَتْ الْجُمْلَةُ الْمُسْتَفْهَمُ عَنْهَا هِيَ مَفْعُولُ أَرَأَيْت، إنّمَا مَفْعُولُهَا مَحْذُوفٌ يَدُلّ عَلَيْهِ الشّرْطُ وَلَا بُدّ مِنْ الشّرْطِ بَعْدَهَا فِي هَذِهِ الصّوَرِ لِأَنّ الْمَعْنَى: أَرَأَيْتُمْ صَنِيعَكُمْ إنْ كَانَ كَذَا، وَكَذَا، كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ أَرَأَيْت إنْ لَقِيت الْعَدُوّ أَتُقَاتِلُهُ أَمْ لَا؟ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ أَرَأَيْت رَأْيَك أَوْ صَنِيعَك إنْ لَقِيت الْعَدُوّ فَحَرْفُ الشّرْطِ وَهُوَ إنْ دَالّ عَلَى ذَلِكَ الْمَحْذُوفِ وَمُرْتَبِطٌ بِهِ وَالْجُمْلَةُ الْمُسْتَفْهَمُ عَنْهَا كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ مُنْقَطِعٌ إلّا أَنّ فِيهِ زِيَادَةَ بَيَانٍ لِمَا يُسْتَفْهَمُ عَنْهُ وَلَوْ زَالَ الشّرْطُ وَوَلِيَهَا الِاسْتِفْهَامُ لَقَبُحَ كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهِ، وَيَحْسُنُ فِي: عَلِمْت، وَهَلْ عَلِمْت وَهَلْ رَأَيْت، وَإِنّمَا قُبْحُهُ مَعَ أَرَأَيْت خَاصّةً وَهِيَ الّتِي دَخَلَهَا مَعْنَى: أَخْبِرْنِي فَتَدَبّرْهُ.

الْأَسَاطِيرُ وَشَيْءٌ عَنْ الْفُرْسِ:

فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ النّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ وَمَا نَزَلَ فِيهِ مِنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [النَّحْل:٢٤] وَاحِدُ الْأَسَاطِيرِ أُسْطُورَةٌ كَأُحْدُوثَةِ وَأَحَادِيثَ وَهُوَ مَا سَطّرَهُ الْأَوّلُونَ وَقِيلَ أَسَاطِيرُ جَمْعُ أَسْطَارٍ وَأَسْطَارُ جَمْعٍ:

<<  <  ج: ص:  >  >>