فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ إِنّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [لُقْمَانَ ٢٧] أَيْ إنّ التّوْرَاةَ فِي هَذَا مِنْ عِلْمِ الله قَلِيل.
مَا أنزل الله تَعَالَى بشأن طَلَبهمْ تَسْيِيرِ الْجِبَالِ:
قَالَ وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فِيمَا سَأَلَهُ قَوْمُهُ لِأَنْفُسِهِمْ مِنْ تَسْيِيرِ الْجِبَالِ وَتَقْطِيعِ الْأَرْضِ وَبَعْثِ مَنْ مَضَى مِنْ آبَائِهِمْ مِنْ الْمَوْتَى: {وَلَوْ أَنّ قُرْآنًا سُيّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلّهِ الأَمْرُ جَمِيعاً} [الرَّعْد: من الْآيَة٣١] أَيْ لَا أَصْنَعُ مِنْ ذَلِكَ إلّا مَا شِئْت.
ــ
الْإِنْسَانُ رُوحٌ وَجَسَدٌ:
فَصْلٌ: وَقَدْ يُعَبّرُ بِالنّفْسِ عَنْ جُمْلَةِ الْإِنْسَانِ رُوحُهُ وَجَسَدُهُ فَتَقُولُ عِنْدِي ثَلَاثَةُ أَنْفُسٍ وَلَا تَقُولُ عِنْدِي ثَلَاثَةُ أَرْوَاحٍ لَا يُعَبّرُ بِالرّوحِ إلّا عَنْ الْمَعْنَى الْمُتَقَدّمِ ذِكْرُهُ وَإِنّمَا اتّسَعَ فِي النّفْسِ وَعَبّرَ بِهَا عَنْ الْجُمْلَةِ لِغَلَبَةِ أَوْصَافِ الْجَسَدِ عَلَى الرّوحِ حَتّى صَارَ يُسَمّى نَفْسًا، وَطَرَأَ هَذَا الِاسْمُ بِسَبَبِ الْجَسَدِ كَمَا يَطْرَأُ عَلَى الْمَاءِ فِي الشّجَرِ أَسْمَاءٌ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ أَنْوَاعِ الشّجَرِ مِنْ حُلْوٍ وَحَامِضٍ وَمُرّ وَحِرّيفٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَتَحَصّلَ مِنْ مَضْمُونِ مَا ذَكَرْنَا أَلّا يُقَالَ فِي النّفْسِ هِيَ الرّوحُ عَلَى الْإِطْلَاقِ حَتّى تُقَيّدَ بِمَا تَقَدّمَ وَلَا يُقَالُ فِي الرّوحِ هُوَ النّفْسُ إلّا كَمَا يُقَالُ فِي الْمَنِيّ هُوَ الْإِنْسَانُ أَوْ كَمَا يُقَالُ لِلْمَاءِ الْمُغَذّي لِلْكَرْمَةِ هُوَ الْخَمْرُ أَوْ الْخَلّ، عَلَى مَعْنَى أَنّهُ سَتَنْضَافُ إلَيْهِ أَوْصَافٌ يُسَمّى بِهَا خَمْرًا أَوْ خَلّا، فَتَقْيِيدُ الْأَلْفَاظِ هُوَ مَعْنَى الْكَلَامِ وَتَنْزِيلُ كُلّ لَفْظٍ فِي مَوْضِعِهِ هُوَ مَعْنَى الْبَلَاغَةِ فَافْهَمْهُ.
النّفْسُ:
فَصْلٌ: وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَلَمْ يَبْقَ إلّا قَوْلُ بِلَالٍ أَخَذَ بِنَفْسِي الّذِي أَخَذَ بِنَفْسِك، فَذَكَرَ النّفْسَ لِأَنّهُ مُعْتَذِرٌ مِنْ تَرْكِ عَمَلٍ أُمِرَ بِهِ وَالْأَعْمَالُ مُضَافَةٌ إلَى النّفْسِ لِأَنّ الْأَعْمَالَ جَسَدَانِيّةٌ وَقَوْلُ النّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "إنّ اللهَ قَبَضَ أَرْوَاحَنَا" فَذَكَرَ الرّوحَ الّذِي هُوَ الْأَصْلُ لِأَنّهُ أَنِسَهُمْ مِنْ فَزَعِهِمْ فَأَعْلَمَهُمْ أَنّ خَالِقَ الْأَرْوَاحِ يَقْبِضُهَا إذَا شَاءَ فَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute