يَا رَاكِبًا بَلّغَن عَنّي مُغَلْغَلَةً ... مَنْ كَانَ يَرْجُو بَلَاغَ اللهِ وَالدّينِ
كُلّ امْرِئِ مِنْ عِبَادِ اللهِ مُضْطَهَدٍ ... بِبَطْنِ مَكّةَ مَقْهُورٍ وَمَفْتُونِ
أَنّا وَجَدْنَا بِلَادَ اللهِ وَاسِعَةً ... تُنْجِي مِنْ الذّلّ وَالْمَخْزَاةِ وَالْهُونِ
فَلَا تُقِيمُوا عَلَى ذُلّ الْحَيَاةِ وَخَزَ ... ي فِي الْمَمَاتِ وَعَيْبٍ غَيْرِ مَأْمُونِ
إنّا تَبِعْنَا رَسُولَ اللهِ وَاطّرَحُوا ... قَوْلَ النّبِيّ وَعَالُوا فِي الْمَوَازِينِ
فَاجْعَلْ عَذَابَك بِالْقَوْمِ الّذِينَ بَغَوْا ... وَعَائِذًا بِك أَنْ يَعْلُوا فَيُطْغُونِي
ــ
أَلْحِقْ عَذَابَك بِالْقَوْمِ الّذِينَ طَغَوْا ... وَعَائِذًا بِك أَنْ يَعْلُو فَيُطْغُونِي
أَنْشَدَهُ سِيبَوَيْهِ فِيمَا يَنْتَصِبُ عَلَى الْفِعْلِ الْمَتْرُوكِ إظْهَارُهُ وَذَلِكَ لِحِكْمَةِ وَهِيَ أَنّ الْفِعْلَ لَوْ ظَهَرَ لَمْ يَخْلُ أَنْ يَكُونَ مَاضِيًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا، فَالْمَاضِي يُوهِمُ الِانْقِطَاعَ وَالْمُتَكَلّمُ إنّمَا يُرِيدُ أَنّهُ فِي مَقَامِ الْعَائِذِ وَفِي حَالِ عَوْذٍ وَالْفِعْلُ الْمُسْتَقْبَلُ أَيْضًا يُؤْذِنُ بِالِانْتِظَارِ وَفِعْلُ الْحَالِ مُشْتَرَكٌ مَعَ الْمُسْتَقْبَلِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ وَذَلِكَ يُوهِمُ أَنّهُ غَيْرُ عَائِذٍ فَكَانَ مَجِيئُهُ بِلَفْظِ الِاسْمِ الْمَنْصُوبِ عَلَى الْحَالِ أَدَلّ عَلَى مَا يُرِيدُ فَإِنّ عَائِذًا كَقَائِمِ وَقَاعِدٍ وَهُوَ الّذِي يُسَمّى عِنْدَ الْكُوفِيّينَ الدّائِمُ فَالْقَائِلُ عَائِذًا بِك يَا رَبّ إنّمَا يُرِيدُ أَنَا فِي حَالِ عِيَاذٍ بِك، وَالْعَامِلُ فِي هَذِهِ الْحَالِ تَكَلّمُهُ وَنِدَاؤُهُ أَيْ أَقُولُ قَوْلِي هَذَا عَائِذًا، وَلَيْسَ تَقْدِيرُهُ عُذْت وَلَا أَعُوذُ إنّمَا يُرِيدُ أَنْ يَسْمَعَهُ رَبّهُ أَوْ يَرَاهُ عَائِذًا بِهِ.
وَقَوْلُهُ أَنْ يَعْلُو يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ أَنْ مَعَ مَا بَعْدَهَا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ وَفِي مَوْضِعِ خَفْضٍ عِنْدَ النّحْوِيّينَ أَمّا النّصْبُ فَعَلَى إضْمَارِ الْفِعْلِ لِأَنّهُ قَالَ عَائِذًا، فَأَعْلَمَ أَنّهُ خَائِفٌ فَكَأَنّهُ قَالَ أَخَافُ أَنْ يَعْلُو فَيُطْغُونِي، وَأَمّا الْخَفْضُ فَعَلَى إضْمَارِ حَرْفِ الْجَرّ فَكَأَنّهُ قَالَ مِنْ أَنْ يَعْلُو، وَهُوَ مَذْهَبُ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ فِي أَنْ الْمُخَفّفَةِ وَأَنْ الْمُشَدّدَةِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنّ هَذِهِ أُمّتُكُمْ أُمّةً وَاحِدَةً} [الْأَنْبِيَاءِ ٩٢] تَقْدِيرُهُ لِأَنّ هَذِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute