غَلَبَة النّجَاشِيّ عَمه على أمره، وسعي الأحباش لإبعاده:
وَنَشَأ النَّجَاشِيّ مَعَ عَمّهِ - وَكَانَ لَبِيبًا حَازِمًا مِنْ الرّجَالِ - فَغَلَبَ عَلَى أَمْرِ عَمّهِ وَنَزَلَ مِنْهُ بِكُلّ مَنْزِلَةٍ فَلَمّا رَأَتْ الْحَبَشَةُ مَكَانَهُ مِنْهُ قَالَتْ بَيْنَهَا: وَاَللهِ لَقَدْ غَلَبَ هَذَا الْفَتَى عَلَى أَمْرِ عَمّهِ وَإِنّا لَنَتَخَوّفَ أَنْ يُمَلّكَهُ عَلَيْنَا، وَإِنْ مَلّكَهُ عَلَيْنَا لَيَقْتُلَنّا أَجْمَعِينَ لَقَدْ عَرَفَ أَنَا نَحْنُ قَتَلْنَا أَبَاهُ. فَمَشَوْا إلَى عَمّهِ فَقَالُوا: إمّا أَنْ تَقْتُلَ هَذَا الْفَتَى، وَإِمّا أَنْ تُخْرِجَهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا، فَإِنّا قَدْ خِفْنَاهُ عَلَى أَنْفُسِنَا، قَالَ وَيْلَكُمْ قَتَلْت أَبَاهُ بِالْأَمْسِ وَأَقْتُلُهُ الْيَوْمَ بَلْ أُخْرِجُهُ مِنْ بِلَادِكُمْ. قَالَتْ فَخَرَجُوا بِهِ إلَى السّوقِ فَبَاعُوهُ إلَى رَجُلٍ مِنْ التّجّارِ بِسِتّمِائَةِ دِرْهَمٍ فَقَذَفَهُ فِي سَفِينَةٍ فَانْطَلَقَ بِهِ حَتّى إذَا كَانَ الْعَشِيّ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ هَاجَتْ سَحَابَةٌ مِنْ سَحَائِبِ الْخَرِيفِ فَخَرَجَ عَمّهُ يَسْتَمْطِرُ تَحْتَهَا، فَأَصَابَتْهُ صَاعِقَةٌ فَقَتَلَتْهُ. قَالَتْ فَفَزِعَتْ الْحَبَشَةُ إلَى وَلَدِهِ فَإِذَا هُوَ مُحْمِقٌ لَيْسَ فِي وَلَدِهِ خَيْرٌ فَمَرِجَ عَلَى الْحَبَشَة أَمرهم.
تَوْلِيَة الْملك بِرِضا الْحَبَشَةِ:
فَلَمّا ضَاقَ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ تَعْلَمُوا وَاَللهِ أَنّ مَلَكَكُمْ الّذِي لَا يُقِيمُ أَمْرَكُمْ غَيْرُهُ الّذِي بِعْتُمْ غَدْوَةً فَإِنْ كَانَ لَكُمْ بِأَمْرِ الْحَبَشَةِ حَاجَةٌ فَأَدْرِكُوهُ الْآنَ. قَالَتْ فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِ وَطَلَبِ الرّجُلِ الّذِي بَاعُوهُ مِنْهُ حَتّى أَدْرَكُوهُ فَأَخَذُوهُ مِنْهُ ثُمّ جَاءُوا بِهِ فَعَقَدُوا عَلَيْهِ التّاجَ وَأَقْعَدُوهُ عَلَى سَرِيرِ الْملك فملكوه.
ــ
فَلَمّا مَرِجَ عَلَى الْحَبَشَةِ أَمْرُهُمْ وَضَاقَ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ فِيهِ وَهَذَا يَدُلّ عَلَى طُولِ الْمُدّةِ فِي مَغِيبِهِ عَنْهُمْ وَقَدْ رُوِيَ أَنّ وَقْعَةَ بَدْرٍ حِينَ انْتَهَى خَبَرُهَا إلَى النّجَاشِيّ عَلِمَ بِهَا قَبْلَ مَنْ عِنْدَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ فَلَمّا دَخَلُوا عَلَيْهِ إذَا هُوَ قَدْ لَبِسَ مَسْحًا، وَقَعَدَ عَلَى التّرَابِ وَالرّمَادِ فَقَالُوا لَهُ مَا هَذَا أَيّهَا الْمَلِكُ؟ فَقَالَ إنّا نَجِدُ فِي الْإِنْجِيلِ أَنّ اللهَ سُبْحَانَهُ إذَا أَحْدَثَ بِعَبْدِهِ وَجَبَ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُحْدِثَ لِلّهِ تَوَاضُعًا، وَإِنّ اللهَ قَدْ أَحْدَثَ إلَيْنَا وَإِلَيْكُمْ نِعْمَةً عَظِيمَةً وَهِيَ أَنّ النّبِيّ مُحَمّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلَغَنِي أَنّهُ الْتَقَى هُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute