خُرُوج الْحَبَشَة على النّجَاشِيّ:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ اجْتَمَعَتْ الْحَبَشَةُ، فَقَالُوا لِلنّجَاشِيّ إنّك قَدْ فَارَقْت دِينَنَا، وَخَرَجُوا عَلَيْهِ قَالَ فَأَرْسِلْ إلَى جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ فَهَيّأَ لَهُمْ سُفُنًا، وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا، وَكُونُوا كَمَا أَنْتُمْ فَإِنْ هُزِمْت فَامْضُوا حَتّى تَلْحَقُوا بِحَيْثُ شِئْتُمْ وَإِنْ ظُفِرَتْ فَاثْبُتُوا. ثُمّ عَمِدَ إلَى كِتَابٍ فَكَتَبَ فِيهِ هُوَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللهُ وَأَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَيَشْهَدُ أَنّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَرُوحُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلَى مَرْيَمَ، ثُمّ جَعَلَهُ فِي قَبَائِهِ عِنْدَ الْمَنْكِبِ الْأَيْمَنِ وَخَرَجَ إلَى الْحَبَشَةِ، وَصَفّوا لَهُ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْحَبَشَةِ، أَلَسْت أَحَقّ النّاسِ بِكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ فَكَيْفَ رَأَيْتُمْ سِيرَتِي فِيكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرُ سِيرَةٍ قَالَ فَمَا لَكُمْ؟ قَالُوا: فَارَقَتْ دِينَنَا،
ــ
حَوْلَ كِتَابِ النّجَاشِيّ وَالصّلَاةِ عَلَيْهِ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ الْكِتَابُ الّذِي كَتَبَهُ النّجَاشِيّ، وَجَعَلَهُ بَيْنَ صَدْرِهِ وَقَبَائِهِ وَقَالَ لِلْقَوْمِ أَشْهَدُ أَنّ عِيسَى لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا، وَفِيهِ مِنْ الْفِقْهِ أَنّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُكَذّبَ كَذِبًا صُرَاحًا، وَلَا أَنْ يُعْطِيَ بِلِسَانِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ أُكْرِهَ مَا أَمْكَنَهُ الْحِيلَةُ وَفِي الْمَعَارِيضِ مَنْدُوحَةٌ عَنْ الْكَذِبِ وَكَذَلِكَ قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي قَوْلِ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ "لَيْسَ بِالْكَاذِبِ مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَقَالَ خَيْرًا" رَوَتْهُ أُمّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ. قَالُوا: مَعْنَاهُ أَنْ يُعَرّضَ وَلَا يُفْصِحُ بِالْكَذِبِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ سَمِعْته يَسْتَغْفِرُ لَك، وَيَدْعُو لَك، وَهُوَ يَعْنِي أَنّهُ سَمِعَهُ يَسْتَغْفِرُ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَدْعُو لَهُمْ لِأَنّ الْآخَرَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْلِمِينَ وَيَحْتَالُ فِي التّعْرِيضِ مَا اسْتَطَاعَ وَلَا يَخْتَلِقُ الْكَذِبَ اخْتِلَاقًا، وَكَذَلِكَ فِي خُدْعَةِ الْحَرْبِ يُوَرّي، وَيَكُنّي، وَلَا يَخْتَلِقُ الْكَذِبَ يَسْتَحِلّهُ بِمَا جَاءَ مِنْ إبَاحَةِ الْكَذِبِ فِي خُدَعِ الْحَرْبِ هَذَا كُلّهُ مَا وَجَدَ إلَى الْكِنَايَةِ سَبِيلًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute