عُمَرُ وَاتّبَعْت أَبِي، حَتّى إذَا قَامَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، وَهُمْ فِي أَنْدِيَتِهِمْ حَوْلَ بَابِ الْكَعْبَةِ، أَلَا إنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ قَدْ صَبَأَ قَالَ يَقُولُ عُمَرُ مِنْ خَلْفِهِ كَذَبَ وَلَكِنّي قَدْ أَسْلَمْت، وَشَهِدْت أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللهُ وَأَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. وَثَارُوا إلَيْهِ فَمَا بَرِحَ يُقَاتِلُهُمْ وَيُقَاتِلُونَهُ حَتّى قَامَتْ الشّمْسُ عَلَى رُءُوسِهِمْ. قَالَ وَطَلَحَ فَقَعَدَ وَقَامُوا عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ يَقُولُ افْعَلُوا مَا بَدَا لَكُمْ فَأَحْلِفُ بِاَللهِ أَنْ لَوْ قَدْ كُنّا ثَلَثَمِائَةِ رَجُلٍ لَتَرَكْنَاهَا لَكُمْ أَوْ لَتَرَكْتُمُوهَا لَنَا، قَالَ فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إذْ أَقْبَلَ شَيْخٌ مِنْ قُرَيْشٍ، عَلَيْهِ حُلّةٌ حَبِرَةٌ وَقَمِيصٌ مُوَشّى، حَتّى وَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا: صَبَأَ عُمَرُ فَقَالَ فَمُهُ رَجُلٌ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ أَمْرًا، فَمَاذَا تُرِيدُونَ؟ أَتَرَوْنَ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ يُسَلّمُونَ لَكُمْ صَاحِبَهُمْ هَكَذَا؟ خَلّوا عَنْ الرّجُلِ. قَالَ فَوَاَللهِ لَكَأَنّمَا كَانُوا ثَوْبًا كَشَطّ عَنْهُ. قَالَ فَقُلْت لِأَبِي بَعْدَ أَنْ هَاجِرَ إلَى الْمَدِينَةِ: يَا أَبَتْ مَنْ الرّجُلُ الّذِي زَجَرَ الْقَوْمَ عَنْك بِمَكّةَ يَوْمَ أَسْلَمْت، وَهُمْ يُقَاتِلُونَك؟ فَقَالَ ذَلِكَ أَيْ بُنَيّ الْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ السّهْمِيّ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّهُ قَالَ يَا أَبَتْ مَنْ الرّجُلُ الّذِي زَجَرَ الْقَوْمَ عَنْك يَوْمَ أَسْلَمْت، وَهُمْ يُقَاتِلُونَك، جَزَاهُ اللهُ خَيْرًا؟ قَالَ يَا بُنَيّ ذَاكَ الْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ لَا جَزَاهُ اللهُ خَيْرًا.
ــ
يُقَالُ لَهُ ذُو الْقَلْبَيْنِ وَفِيهِ نَزَلَتْ فِي أَحَدِ الْأَقْوَالِ {مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الْأَحْزَابُ: ٤] ، وَفِيهِ قِيلَ:
وَكَيْفَ ثَوَائِي بِالْمَدِينَةِ بَعْدَمَا ... قَضَى وَطَرًا مِنْهَا جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ
وَهُوَ الْبَيْتُ الّذِي تَغَنّى بِهِ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي مَنْزِلِهِ وَاسْتَأْذَنَ عُمَرَ فَسَمِعَهُ وَهُوَ يَتَغَنّى، وَيُنْشِدُ بالركبانية، وَهُوَ غِنَاءٌ يُحْدَى بِهِ الرّكّابُ فَلَمّا دَخَلَ عُمَرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute