قَالَ فَوَاَللهِ مَا يَدْخُلُ عَلَيْك أَحَدٌ، ثُمّ خَرَجَ إلَى قُرَيْشٍ، فَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنّ ابْنَ أَخِي أَخْبَرَنِي بِكَذَا وَكَذَا، فَهَلُمّ صَحِيفَتَكُمْ فَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ ابْنُ أَخِي، فَانْتَهُوا عَنْ قَطِيعَتِنَا، وَانْزِلُوا عَمّا فِيهَا، وَإِنْ يَكُنْ كَاذِبًا دَفَعْت إلَيْكُمْ ابْنَ أَخِي، فَقَالَ الْقَوْمُ رَضِينَا، فَتَعَاقَدُوا عَلَى ذَلِكَ ثُمّ نَظَرُوا، فَإِذَا هِيَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزَادَهُمْ ذَلِكَ شَرّا فَعِنْدَ ذَلِكَ صَنَعَ الرّهْطَ مِنْ قُرَيْشٍ فِي نَقْضِ الصّحِيفَةِ مَا صَنَعُوا.
شعر أبي طَالب فِي مدح النَّفر الَّذين نقضوا الصَّحِيفَة:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا مُزّقَتْ الصّحِيفَةُ وَبَطَلَ مَا فِيهَا. قَالَ أَبُو طَالِبٍ، فِيمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ أُولَئِكَ النّفَرِ الّذِينَ قَامُوا فِي نَقْضِهَا يَمْدَحُهُمْ:
أَلّا هَلْ أَتَى بَحْرِيّنَا صَنِعُ رَبّنَا ... عَلَى نَأْيِهِمْ وَاَللهُ بِالنّاسِ أَرْوَدُ
فَيُخْبِرُهُمْ أَنّ الصّحِيفَةَ مُزّقَتْ ... وَأَنّ كُلّ مَا لَمْ يَرْضَهُ اللهُ مُفْسَدُ
تَرَاوَحَهَا إفْكٌ وَسِحْرٌ مُجَمّعٌ ... وَلَمْ يُلْفَ سِحْرُ آخِرَ الدّهْرِ يَصْعَدُ
ــ
شَرْحُ دَالِيَةَ أَبِي طَالِبٍ:
وَقَوْلُ أَبِي طَالِبٍ: أَلَا قَدْ أَتَى بَحْرِيّنَا، يَعْنِي الّذِينَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، نَسَبَهُمْ إلَى الْبَحْرِ لِرُكُوبِهِمْ إيّاهُ وَهَكَذَا وَجْهُ النّسَبِ إلَيْهِ وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ "إذَا نَشَأَتْ بَحْرِيّةٌ" وَزَعَمَ ابْنُ سِيدَهْ فِي كِتَابِ الْمُحْكَمِ لَهُ أَنّ الْعَرَبَ تَنْسِبُ إلَى الْبَحْرِ بَحْرَانِيّ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَأَنّهُ مِنْ شَوَاذّ النّسَبِ وَنُسِبَ هَذَا الْقَوْلُ إلَى سِيبَوَيْهِ وَالْخَلِيلِ، وَلَمْ يَقُلْهُ سِيبَوَيْهِ قَطّ، وَإِنّمَا قَالَ فِي شَوَاذّ النّسَب: تَقُولُ فِي بَهْرَاءَ: بَهْرَانِيّ وَفِي صَنْعَاءَ: صَنْعَانِيّ كَمَا تَقُولُ بَحْرَانِيّ فِي النّسَبِ إلَى الْبَحْرَيْنِ الّتِي هِيَ مَدِينَةٌ وَعَلَى هَذَا تَلَقّاهُ جَمِيعُ النّحَاةِ وَتَأَوّلُوهُ مِنْ كَلَامِ سِيبَوَيْهِ، وَإِنّمَا شُبّهَ عَلَى ابْنِ سِيدَهْ لِقَوْلِ الْخَلِيلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي مَسْأَلَةَ النّسَبِ إلَى الْبَحْرَيْنِ، كَأَنّهُمْ بَنَوْا الْبَحْرَ عَلَى بَحْرَانِ، وَإِنّمَا أَرَادَ لَفْظَ الْبَحْرَيْنِ أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ فِي كِتَابِ الْعَيْنِ تَقُولُ بَحْرَانِيّ فِي النّسَبِ إلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute