للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عَلَى حَضْرَةِ الْعِلْمِ وَانْتِيَابِهِمْ إيّاهَا فِي زَمَنِ النّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَعْدَهُ فَتَأَمّلْ صِفَةَ الْكَوْثَرِ مَعْقُولَةٌ فِي الدّنْيَا، مَحْسُوسَةٌ فِي الْآخِرَةِ مُدْرَكَةٌ بِالْعِيَانِ - هُنَالِكَ يُبَيّنُ لَك إعْجَازَ التّنْزِيلِ وَمُطَابَقَةَ السّورَةِ - لِسَبَبِ - نُزُولِهَا، وَلِذَلِكَ قَالَ فُضَيْل: {فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ} أَيْ تَوَاضَعْ لِمَنْ أَعْطَاك الْكَوْثَرَ بِالصّلَاةِ لَهُ فَإِنّ الْكَثْرَةَ فِي الدّنْيَا تَقْتَضِي فِي أَكْثَرِ الْخَلْقِ الْكِبْرَ وَتَحْدُو إلَى الْفَخْرِ والمحيرية، فَلِذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ السّلَامُ طَأْطَأَ رَأْسَهُ عَام الْفَتْحِ حِينَ رَأَى كَثْرَةَ أَتْبَاعِهِ وَهُوَ عَلَى الرّاحِلَةِ حَتّى أَلْصَقَ عُثْنُونَهُ بِالرّحْلِ امْتِثَالًا لِأَمْرِ رَبّهِ وَكَذَلِكَ أَمَرَهُ بِالنّحْرِ شُكْرًا لَهُ وَرَفَعَ الْيَدَيْنِ إلَى النّحْرِ فِي الصّلَاةِ عِنْدَ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ الّتِي عِنْدَهَا يَنْحَرُ وَإِلَيْهَا يَهْدِي مَعْنَاهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ. النّحْرُ الْمَأْمُورُ بِهِ يَوْمَ الْأَضْحَى، وَالْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي الصّلَاةِ بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ إلَى النّحْرِ كَمَا أَنّ الْقِبْلَةَ مَحْجُوجَةٌ مُصَلّى إلَيْهَا، فَكَذَلِكَ يَنْحَرُ عِنْدَهَا، وَيُشَارُ إلَى النّحْرِ عِنْدَ اسْتِقْبَالِهَا، وَإِلَى هَذَا الْتَفَتَ عَلَيْهِ السّلَامُ حِينَ قَالَ "مَنْ صَلّى صَلَاتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَنَسَكَ نُسُكَنَا فَهُوَ مُسْلِمٌ" وَقَدْ قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ {قُلْ إِنّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الْأَنْعَامُ ١٦٢، ١٦٣] فَقَرَنَ بَيْنَ الصّلَاةِ إلَى الْكَعْبَةِ، وَالنّسُكِ إلَيْهَا، كَمَا قَرَنَ بَيْنَهُمَا حِينَ قَالَ {فَصَلّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الْكَوْثَر: ٢] وَذَكَرَ فِي صِفَةِ الْحَوْضِ كَمَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَأَيْلَةَ وَقَدْ جَاءَ فِيهِ أَيْضًا فِي الصّحِيحِ "كَمَا بَيْنَ جَرْبَاءَ وَأَذْرُحَ" وَبَيْنَهُمَا مَسَافَةٌ بَعِيدَةٌ وَفِي الصّحِيحِ أَيْضًا فِي صِفَتِهِ "كَمَا بَيْنَ عَدَنِ أَبْيَنَ إلَى عَمّانَ" وَقَدْ تَقَدّمَ ذِكْرُ أَبْيَنَ وَأَنّهُ ابْنُ زُهَيْرِ بْنِ أَيْمَنَ بْنِ حِمْيَرَ، وَأَنّ عَدَنَ سُمّيَتْ بِرَجُلِ مِنْ حَمِيرَ عَدَنَ بِهَا، أَيْ أَقَامَ وَتَقَدّمَ أَيْضًا مَا قَالَهُ الطّبَرِيّ أَنّ عَدَنَ وَأَبْيَنَ هُمَا ابْنَا عَدْنَانَ أَخَوَا مَعَدّ وَأَمّا عَمّانَ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ فَهِيَ بِالشّامِ قُرْبُ دِمَشْقَ، سُمّيَتْ بِعَمّانَ بْنِ لُوطِ بْنِ هَارَانَ كَانَ سَكَنَهَا - فِيمَا ذَكَرُوا - وَأَمّا عُمَانُ بِضَمّ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ فَهُوَ بِالْيَمَنِ سُمّيَتْ بِعُمَانَ بْنِ سِنَانٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>