للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَجَازِ وَكَانَ عِنْدَ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْب بِنْتُ أُزَيْهِرٍ وَكَانَ أَبُو أُزَيْهِر رَجُلًا شَرِيفًا فِي قَوْمِهِ - فَقَتَلَهُ بِعُقْرِ الْوَلِيدِ الّذِي كَانَ عِنْدَهُ لِوَصِيّةِ أَبِيهِ إيّاهُ وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ هَاجَرَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْمَدِينَةِ وَمَضَى بَدْرٌ، وَأُصِيبَ بِهِ مَنْ أُصِيبَ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَخَرَجَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ فَجَمَعَ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَأَبُو سُفْيَانَ بِذِي الْمَجَازِ فَقَالَ النّاسُ أُخْفِرَ أَبُو سُفْيَانَ فِي صِهْرِهِ فَهُوَ ثَائِرٌ بِهِ، فَلَمّا سَمِعَ أَبُو سُفْيَانَ بِاَلّذِي صَنَعَ ابْنُهُ يَزِيدُ - وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ رَجُلًا حَلِيمًا مُنْكَرًا، يُحِبّ قَوْمَهُ حُبّا شَدِيدًا - انْحَطّ سَرِيعًا إلَى مَكّةَ، وَخَشِيَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ قُرَيْشٍ حَدَثٌ فِي أَبِي أُزَيْهِرٍ فَأَتَى ابْنَهُ وَهُوَ فِي الْحَدِيدِ فِي قَوْمِهِ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَالْمُطَيّبِينَ فَأَخَذَ الرّمْحَ مِنْ يَدِهِ ثُمّ ضَرَبَ بِهِ عَلَى رَأْسِهِ ضَرْبَةً هَدّهُ مِنْهَا، ثُمّ قَالَ لَهُ قَبّحَك اللهُ أَتُرِيدُ أَنْ تَضْرِبَ قُرَيْشًا بَعْضَهُمْ بِبَعْضِ فِي رَجُلٍ مِنْ دَوْسٍ. سَنُؤْتِيهِمْ الْعَقْلَ إنْ قَبِلُوهُ وَأَطْفَأَ ذَلِكَ الْأَمْرَ.

فَانْبَعَثَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يُحَرّضُ فِي دَمِ أَبِي أُزَيْهِرٍ وَيُعَيّرُ أَبَا سُفْيَانَ خُفْرَتَهُ وَيُجْبِنُهُ فَقَالَ:

غَدَا أَهْلُ ضَوْجَيْ ذِي الْمَجَازِ كِلَيْهِمَا ... وَجَارُ ابْنِ حَرْبٍ بِالْمُغَمّسِ مَا يَغْدُو

وَلَمْ يَمْنَعْ الْعَيْرُ الضّرُوطُ ذِمَارَهُ ... وَمَا مَنَعَتْ مَخْزَاةَ وَالِدِهَا هِنْدُ

كَسَاك هِشَامُ بْنُ الْوَلِيدِ ثِيَابَهُ ... فَأَبْلِ وَأَخْلِفْ مِثْلَهَا جُدُدًا بَعْدُ

ــ

كَذَا صَحّتْ الرّوَايَةُ فِي أَرْسَى بِالتّخْفِيفِ وَهُوَ زِحَافٌ دَاخِلٌ عَلَى زِحَافٍ لِأَنّ تَسْكِينَ اللّامِ مِنْ مُفَاعَلَتَنْ فِي الْوَافِرِ زِحَافٌ وَلَكِنّهُ حَسَنٌ كَثِيرٌ فَلَمّا كَثُرَ شَبّهَهُ هَذَا الشّاعِرُ بِمَفَاعِيلَ لِأَنّهُ عَلَى وَزْنِهِ وَمَفَاعِيلُنْ يَحْسُنُ حَذْفُ الْيَاءِ مِنْهَا فِي الطّوِيلِ فَيَصِيرُ فَعُولُنْ مَفَاعِلُنْ فَلِذَلِكَ أَدْخَلَ هَذَا الشّاعِرُ الزّحَافَ عَلَى مُفَاعَلْتُنْ لِأَنّهُ بَعْدَ السّكُونِ فِي وَزْنِ مَفَاعِيلُنْ الّتِي تُحْذَفُ يَاؤُهَا حَذْفًا مُسْتَحْسَنًا، فَتَدَبّرْهُ فَإِنّهُ مَلِيحٌ فِي عِلْمِ الْعَرُوضِ

مِنْ أَسْوَاقِ الْعَرَبِ:

فَصْلٌ: وَأَنْشَدَ لِحَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ:

<<  <  ج: ص:  >  >>