للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِأُذُنِهِ قَالَ فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي، وَاَللهِ لَقَدْ قَالَ أَخِي الْكَلِمَةَ الّتِي أَمَرْته أَنْ يَقُولَهَا، قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَمْ أَسْمَعْ".

ــ

قَالَ الْمُؤَلّفُ شَهَادَةُ الْعَبّاسِ لِأَبِي طَالِبٍ لَوْ أَدّاهَا بَعْدَمَا أَسْلَمَ، لَكَانَتْ مَقْبُولَةً وَلَمْ يُرَدّ بِقَوْلِهِ لَمْ أَسْمَعْ لِأَنّ الشّاهِدَ الْعَدْلَ إذَا قَالَ سَمِعْت، وَقَالَ مَنْ هُوَ أَعْدَلُ مِنْهُ لَمْ أَسْمَعْ أُخِذَ بِقَوْلِ مَنْ أَثْبَتَ السّمَاعَ لِأَنّ عَدَمَ السّمَاعِ يَحْتَمِلُ أَسْبَابًا مَنَعَتْ الشّاهِدَ مِنْ السّمْعِ وَلَكِنّ الْعَبّاسَ شَهِدَ بِذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ مَعَ أَنّ الصّحِيحَ مِنْ الْأَثَرِ قَدْ أَثْبَتَ لِأَبِي طَالِبٍ الْوَفَاةَ عَلَى الْكُفْرِ وَالشّرْكِ وَأَثْبَتَ نُزُولَ هَذِهِ الْآيَةِ فِيهِ {مَا كَانَ لِلنّبِيّ وَالّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التّوْبَةَ ١١٣] وَثَبَتَ فِي الصّحِيحِ أَيْضًا أَنّ الْعَبّاسَ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنّ أَبَا طَالِبٍ كَانَ يَحُوطُك وَيَنْصُرُك، وَيَغْضَبُ لَك، فَهَلْ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ؟ قَالَ "نَعَمْ وَجَدْته فِي غَمَرَاتٍ مِنْ النّارِ فَأَخْرَجْته إلَى ضَحْضَاحٍ" وَفِي الصّحِيحِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ أَنّهُ - عَلَيْهِ السّلَامُ - قَالَ "لَعَلّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُجْعَلُ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ النّارِ يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ" وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: "كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَلُ بِالْقُمْقُمِ" وَهِيَ مُشْكِلَةٌ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ الْقُمْقُمُ هُوَ الْبُسْرُ الْأَخْضَرُ يُطْبَخُ فِي الْمِرْجَلِ اسْتِعْجَالًا لِنُضْجِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَهْلُ الْحَاجَةِ وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ زِيَادَةٌ وَهِيَ أَنّهُ قَالَ: "يَغْلِي مِنْهَا دِمَاغُهُ حَتّى يَسِيلَ عَلَى قَدَمَيْهِ" وَمِنْ بَابِ النّظَرِ فِي حِكْمَةِ اللهِ وَمُشَاكَلَةِ الْجَزَاءِ لِلْعَمَلِ أَنّ أَبَا طَالِبٍ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ بِجُمْلَتِهِ مُتَحَزّيًا لَهُ إلّا أَنّهُ مُثَبّتٌ لِقَدَمَيْهِ عَلَى مِلّةِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، حَتّى قَالَ عِنْدَ الْمَوْتِ أَنَا عَلَى مِلّةِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، فَسُلّطَ الْعَذَابُ عَلَى قَدَمَيْهِ خَاصّةً لِتَثْبِيتِهِ إيّاهُمَا عَلَى مِلّةِ آبَائِهِ ثَبّتَنَا اللهُ عَلَى الصّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ.

وَذَكَرَ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: {مَا كَانَ لِلنّبِيّ وَالّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ}

<<  <  ج: ص:  >  >>