للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى الإِطْلَاقِ لَزِمَهُ أَنْ يَتَعَسَّفَ فِي التَّأْوِيلِ لِلْكَثِيرِ مِمَّا وَرَدَ فِي هَذَا الْبَابِ، لأَنَّ فِي هَذَا الْبَابِ أَشْيَاءٌ كَثِيرَةً يَبْعُدُ تَأْوِيلُهَا عَلَى غَيْرِ وَجْهِ البَدَلِ كَقَوْلِهِ: (طويل)

إِذَا مَا امْرَؤٌ وَلَّى عَلَيَّ بِوُدِّهِ (١)

وَقَوْلُهُ: (وافر)

إِذَا رَضِيَتْ عَلَيَّ بَنُو قُشَيْرٍ (٢)

وَلَا يُمْكِنُ المُنْكِرُ فِي هَذَا أَنْ يَقُولَ: إِنَّ هَذَا مِنْ ضَرُورَةِ الشِّعْرِ، لأَنَّ هَذَا النَّوْعَ قَدْ كَثُرَ وَشَاعَ، وَلَمْ يَخُصَّ الشِّعْرَ دُونَ الكَلَام، فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ إِنْكَارُ الْمُنْكِرِ لَهُ وَكَانَ المُمَيِّزُونَ لَهُ لَا يُجِيزُونَهُ فِي كُلِّ مَوْضِع، ثَبَتَ بِهَذَا أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى السَّمَاعِ، غَيْرُ جَائِزٍ القِياسُ عَلَيْهِ، وَوَجَبَ أَنْ يُطلَبَ لَهُ وَجْهٌ مِنَ التَّأْوِيلِ يُزِيلُ الشَّنَاعَةَ عَنْهُ، وَيُعَرِّفُ كَيْفَ المَأْخَذُ فِيمَا يَرِدُ مِنْهُ. وَلَمْ أَرَ فِيهِ للبَصْرِيينَ تَأْوِيلًا أَحْسَنَ مِنْ قَوْلٍ ذَكَرَهُ ابن جَنِّي فِي كِتَابِ "الخَصَائِصِ" (٣) وَأَنَا أُورِدُهُ فِي هَذَا المَوْضِعِ، وَأَعْضُدُهُ بِمَا يُشَاكِلُهُ مِنَ الاحْتِجَاجِ المُقْنِعِ إِنْ شَاءَ الله.

اعْلَمْ أَنَّ الفِعْلَ إِذَا كَانَ بِمَعْنَى فِعْلٍ آخَرَ وَكَانَ أَحَدُهُمَا يَتَعَدَى بِحَرْفِ جَرٍّ، وَالثَّانِي بِحَرْفِ جَرٍّ آخَرَ فَإِنَّ العَرَبَ قَدْ تَتَّسِعُ فَتُوقِعُ أَحَدَ الحَرْفَيْنِ مَوْقِعَ الآخَرِ مَجَازًا وَإِيذانًا بِأَنَّ هَذَا الفِعْلَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ الْآخَرِ، كَمَا صَحَّحُوا:


(١) صدر بيت لدوسر بن غسان اليربوعي، وعجزه:
وأدبر لم يصدر بإدباره ودي
شرح الجواليقي: ٢٥٨؛ الخصائص: ٢/ ٣١١؛ الاقتضاب: ٣/ ٢٦٥؛ اللسان (دلل) بدون عزو.
(٢) أنشده في أدب الكتاب: ٥٠٧. وعجزه:
لعمر الله أعجبني رضاها
وهو للقحيف العقيلي في شعره: ٢٥٢ في مجلة المجمع العلمي العراقي ح ٣ م ٣٧/ ١٩٨٢؛ النوادر: ١٧٦؛ الخصائص: ٢/ ٣١١؛ المقتضب: ٢/ ٣٢٠؛ أمالي ابن الشجري: ٢/ ٢٦٩؛ الجواليقي: ٢٥٩؛ شرح المفصل: ١/ ١٢٠؛ الخزانة: ٤/ ٢٤٧؛ الجمهرة: ٣/ ٤١٩؛ الإنصاف: ٢/ ٦٣٠؛ المقاصد: ٢/ ٢٧٢؛ شرح الأشموني: ٣/ ٤١؛ شرح أبيات المغني: ٢/ ٣١٣؛ اللباب في النحو: ٢٧٧؛ رصف المباني: ٣٧٢.
(٣) الخصائص: ٢/ ٣٠٨ - ٣١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>