للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْ يَدْفَعُوهُ. كَقَوْلِهِمْ: "أَيْشٍ لَكَ"؟ وَهُمْ يُرِيدُونَ: أَيُّ شَيْءٍ لَكَ، وَ "وَيْلِمِّهِ" وَهُمْ يُرِيدُونَ: وَيْلَ أُمِّهِ، وَذَلِكَ كَثِيرٌ، جِدًّا كَحَذْفِهِمُ المُبْتَدَأَ تَارَةً وَالخَبَرَ تَارَةً وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَعْلَمُهُ أَهْلُ هَذِهِ الصِّنَاعَةِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يُحْمَلَ الشَّيْءُ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ هُوَ فِي مَعْنَاهُ، لِيَتَدَاخَلَ اللَّفْظَانِ كَمَا تَدَاخَلَ المَعْنَيَانِ، كَقَوْلِهِمْ: "أَسْتَغْفِرُ الله ذَنْبِي" حِينَ كَانَ بِمَعْنَى: "أَسْتَوْهِبُهُ إِيَّاهُ".

وَالثَّالِثُ: أَنْ يُضْطَرَّ إِلَى ذَلِكَ شَاعِرٌ كَنَحْوِ مَا أَنْشَدَهُ الكُوفيونَ مِنْ قَوْلِ جَرِيرٍ: (وافر)

تَمُرُّونَ الدِّيَارَ وَلَا تَعُوجُوا … كَلَامُكُمْ عَلَيَّ إِذَنْ حَرَامُ (١)

وَإِذَا زَادُوا حَرْفَ الجَرِّ فِيمَا هُوَ غَنِيٌّ عَنْهُ فَذَلِكَ لِأَسْبَابٍ أَرْبَعَةٍ:

أَحَدُهَا: تَأْكِيدُ المَعْنَى وَتَقْوِيَةُ عَمَلِ العَامِلِ، وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ كَانَ مَعَهُ سَيْفٌ صَقِيلٌ فَزَادَهُ صَقْلًا وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْهُ، أَوْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أُعْطِيَ آلَةً يَفْعَلُ بِهَا وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَيْهَا مَعُونَةً لَهُ عَلَى فِعْلِهِ.

وَالثَّانِي: الحَمْلُ عَلَى المَعَانِي لِيَتَدَاخَلَ اللَّفْظَانِ كَتَدَاخُلُ المَعْنَييْنِ، كَقَوْلِ الراجز:

نَضْرِبُ بِالسَّيْفِ وَنَرْجُو بِالفَرَجْ

فَعَدَّى الرَّجَاءَ بِـ "البَاءِ" حِينَ كَانَ بِمَعْنَى الطَّمَع، وَكَقَوْلِ جَرِيرٍ: (طويل)

أَرَدْتُ لِكَيْمَا يَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّهَا … سَرَاوِيلُ قَيْسِ وَالوُفُودُ شُهُودُ (٢)

حِينَ كَانَ بِمَعْنَى إِرَادَتِي وَاقِعَةٌ لِهَذَا الأَمْرِ.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يُضْطَرَّ شَاعِرٌ.


(١) ديوانه: ٣٨٦. ويروى: "أتمضون الرسوم ولا تحيا". الخزانة: ٣١٥٨؛ المقاصد النحوية: ٢/ ٥٦٠: "لم تعوجا".
(٢) ديوانه: ١٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>