للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان أَبُو عَلْقَمَةَ النَّحْوِيُّ (١) مِمَّنْ يَنْحُو نَحْوَ عِيسَى بْنِ عُمَرَ، وكان يَعْتَرِيهِ هَيْجَانُ مِرَارٍ فِي بَعْضِ الأَوْقَاتِ، فَهَاجَ بِهِ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ فَسَقَطَ إِلَى الْأَرْضِ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ حَوْلَهُ وَظَنُّوهُ مَجْنُونًا، فلما ذَهَبَ ما كان بِهِ فَتَحَ عَيْنَيْهِ فَنَظَرَ إلى الناس يَزْدَحِمُونَ حَوالَيْهِ فقال: مَا لَكُمْ تَتَكَأَكَؤُونَ عَلَيَّ، كَمَا تَتَكَأَكَؤُونَ عَلَى ذِي جِنَّةٍ، افْرَنْقِعُوا عَنِّي، فقال رجل منهم: دَعُوهُ، إِنَّ شَيْطَانَهُ يَتَكَلَّمُ بِالْهِنْدِيَّةِ" (٢).

يُقَالُ: تَكَأَكَأَ الرَّجُلُ عَلَى الشَّيْءِ، إِذَا انْحَنَى وَتَقَاصَرَ. وَمِنْهَا قِيلَ لِلْقَصِيرِ مُتَكَأْكئٌ، وَتَكَأْكَأَ الْقَوْمُ: إِذَا تَضَايَقُوا وَازْدَحَمُوا، فَإِذَا قِيلَ: تَكَأْكَأَ عَنِ الشَّيْء، فَمَعْنَاهُ: ارْتَدَعَ وَنَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ. وَالْإِفْرِنْقَاعُ: الزَّوَالُ عَنِ الشَّيْءِ.

وَمِنْ طَرِيقِ أَخْبَارِ الْمُتَقَعِّرِينَ أَنَّ الْجَرْجَرَائِيَّ (٣) كَانَ لَهُ كَاتِبٌ يَتَقَعَّرُ فِي كَلَامِهِ، فَدَخَلَ الْحَمَّامَ فِي السَّحَرِ، فَوَجَدَهُ خَالِيًا فقال لِبَعْضِ الْخَدَمَةِ: نَاوِلْنِي الْحَدِيدَةَ الَّتِي تُمْتَلَخُ بِهَا الطُّؤْطُؤَةُ مِنَ الْإِخْقِيقِ، فَلَمْ يَفْهُمْ قَوْلَهُ وَعَلِمَ بِهَيَأَةِ الْحَالِ أَنَّهُ يُرِيدُ مَا يُزِيلُ بِهِ الشَّعَرَ عَنْ عَانَتِهِ، فَأَخَذَ كُسْتُبَانَ النُّورَةِ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ فَخَرَجَ وَشَكَا بِهِ إِلَى صَاحِبِ الْمَدِينَةِ فَأَمَرَ بِالْخَادِم إِلَى السِّجْنِ، فَاتَّصَلَ الْخَبَرُ بِالْجَرْجَرَائِي فَضَحِكَ وَاسْتَظْرَفَ مَا جَرَى وَأَمَرَ بِالْخَادِمِ فَأُطْلِقَ وَأَلْحَقَهُ بِجُمْلَةِ أَتْبَاعِهِ. تُمْتَلَخُ: تُنْزَعُ، مِنْ قَوْلِهِم: امْتَلَخْتُ غُصْنًا مِنَ الشَّجَرَةِ إِذَا قَطَعْتَهُ، وَمَلَخْتُ اللِّجَامَ عَنْ رَأْسِ الْفَرَسِ: إِذَا نَزَعْتَهُ، وَالطُّؤْطُؤَةُ: شَعَرُ الْعَانَةِ وَيُقَالُ لَهُ: الشِّعْرَةَ أَيْضًا، وَالْإخْقِيقُ: الشَّقُّ يَكُونُ فِي الْأَرْضِ، وَأَرَادَ بِهِ هَاهُنَا الشَّقَّ الذِي يَكُونُ بَيْنَ الْفَخِذَيْنِ، وَيُقَالُ اسْتَحَدَّ الرَّجُلُ وَاسْتَعَانَ إِذَا حَلَقَ عَانَتَهُ، حَكَاهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ الْمُطَرِّزِ، وَيُقَالُ مِنَ النُّورَةِ: انْتَارَ الرَّجُلُ انْتِيَارًا، وَانْتَوَرَ انْتِوَارًا، وَتَنَوَّرَ، تَنَوُّرًا.


(١) من القدماء، عارف باللغة كان يتقعر في كلامه ويتعمد الحوشي والغريب. الإنباه: ٤/ ١٥٢؛ معجم الأدباء: ١٢/ ٢٠٥؛ البغية: ٢/ ١٣٢.
(٢) القصة في الخزانة: ١/ ١١٦.
(٣) سبق تخريجه فى: ٥٢. الإحالة ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>