للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: "وَيَرَوْنَهُ تِلْوَ الْمِقْدَارِ" (١).

ط: "التِّلْوُ: التَّابِعُ بِكَسْرِ التَّاءِ، فَإِذَا قُلْتَ: تَلْوٌ بِفَتْح التَّاءِ فَهُوَ الْمَصْدَرُ مِنْ تَلَوْتُهُ، أَتْلُوهُ تَلْوًا. وَالْمِقْدَارُ هَاهُنَا بِمَعْنَى الْقَدَرِ الَّذِي يُرَادُ بِهِ الْقَضَاءَ السَّابِقَ.

وَمَعْنَى كَوْنُ الْعِلْمِ تَابِعًا لِلْمِقْدَارِ أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدَّرَ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ أَنْ يَكُونَ الْعِلْمُ عِزًّا لِصَاحِبِهِ وَشَرَفًا وَالْجَهْلُ ذُلًّا وَمَهَانَةً، وَإِنَّمَا أَخَذَ هَذَا مِنْ قَوْله : (مَا اسْتَرْذَلَ الله عَبْدًا إِلَّا حَظَّرَ عَنْهُ الْعِلْمَ وَالْأَدَبَ) (٢)، وَقَدْ أَلَمَّ أَبُو الطَّيِّبِ الْمُتَنَبِّيُّ لِنَحْوِ هَذَا الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ: (متقارب)

كَأَنَّ نَوَالَكَ بَعْضُ الْقَضَاءِ … فَمَا تُعْطِ مِنْهُ نَجِدْهُ جُدُودًا (٣)

وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِالْمِقْدَارِ قِيمَةَ الْإِنْسَانِ كَمَا يُقَالُ: لِفُلَانٍ عِنْدِي قَدْرٌ وَقَدَرٌ وَمِقْدَارٌ، أَي قِيمَةٌ فَتَكُونُ مِثْلَ قَوْلِ عَلِيٍّ : (بسيط)

قِيمَةُ كُلِّ امْرِئٍ مَا يُحْسِنُ (٤)

فَإِنْ قِيلَ: كَانَ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ يَقُولَ: "وَيَرَوْنَ الْمِقْدَارَ تِلْوَ الْعِلْمِ" لِأَنَّ قِيمَةَ الرَّجُلِ تَابِعَةٌ لِعِلْمِهِ فَهَذَا يَصِحُّ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرِيدَ مِقْدَارَ الْإِنْسَانِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى أَيْ أَنَّ الله تَعَالَى يَهَبُ لَهُ مِنَ الْعِلْمِ بِحَسَبِ مَكَانَتِهِ عِنْدَهُ، وهذا نَحْو مِنْ قَوْلِ النبي : (مَا اسْتَرْذَلَ اللهُ عَبْدًا إِلَّا حَظَّرَ عَنْهُ الْعِلْمَ وَالْأَدَبَ) فَيَكُونُ رَاجِعًا إلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُرِيدَ مِقْدَارَهُ عِنْدَ النَّاسِ فَيَكُونُ قَدْ أَجْرَى "التِّلْوَ" الَّذِي


(١) نفسه.
(٢) الحديث، مسند الشهاب للقضاعي: ٣/ ٢٢٤؛ فيض القدير: ٥/ ٥٣٤؛ كشف الخفاء: ٢/ ١٨٠؛ كنز العمال: ١٠/ ١٧٨.
(٣) ديوانه: ٢/ ٨٨.
(٤) البيت:
وَقِيمَةُ المَرْءِ مَا قَدْ كَانَ يُحْسِنُهُ … وَالجَاهِلُونَ لِأَهْلِ الْعِلْمِ أَعْدَاءُ
ديوانه: ٧ نهج البلاغة: ٤١٧/ ١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>