للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَغْمِرُ السَّاقَ مِنْ أَيْنٍ وَلَا وَصَبٍ … وَلَا يَعَضُّ عَلَى شُرْسُوفِهِ الصَّفَرُ (١)

وَكَذَا أَنْشَدَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدُ فِي "الْكَامِلِ" (٢) يَمْدَحُهُ بِأَنَّهُ لَيْسَتْ هِمَّتُهُ فِي الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَإِنَّمَا هِيَ فِي طَلَبِ الْمَعَالِي.

وَالشُّرْسُوفُ: طَرَفُ الضِّلَعِ، وَالصَّفَرُ: حَيَّةٌ فِي الْبَطْنِ تَعَضُّ عَلَى شَرَاسِيفِ الْأَضْلاعِ إِذَا جَاعَ الْإِنْسَانُ. وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يُثْبِتَ أَنَّ فِي جَوْفِهِ صَفَرًا لَا يَعَضُّ عَلَى شُرْسُوفِهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُ لَا صَفَرَ فِي جَوْفِهِ فَيَعَضُّ، يَصِفُهُ بِشِدَّةِ الْخَلْقِ وَصِحَّةِ البِنْيَةِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾ (٣) أَيْ لا يَكُونُ مِنْهُمْ سُؤالٌ فَيَكُونُ إِلْحَافٌ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ: (طويل)

عَلَى لَاحِبٍ لَا يُهْتَدَى بِمَنَارِهِ (٤)

أَيْ لَيْسَ لَهُ مَنَارٌ فَتَكُونُ بِهِ هِدَايَةٌ، وَحُرُوفُ الْجَرِّ فِي هَذَا الْبَيْتِ لَا مَوَاضِعَ لَهَا لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِظَاهِرٍ أَوْ مَا هُوَ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ.

وَقَوْلُهُ: يَرْقُبُهُ، جمْلَةٌ مَوْضِعُهَا النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ فِي يَتَأَرَّى، وَهِيَ حَالٌ جَارِيَةٌ عَلَى مَنْ هِيَ لَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ "مَا" فَتَكُونُ جَارِيَةً عَلَى غَيْرِ مَنْ هِيَ لَهُ، وَإِنَّمَا جَازَ أَنْ تَكُونَ حَالًا مِنْهُمَا مَعًا لِأَنَّ فِيهَا ضَمِيرًا عَائِدًا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَجَازَ أَنْ يَسْتَتِرَ الضَّمِيرُ وَإِنْ كَانَتْ قَدْ جَرَتْ حَالًا عَلَى غَيْرِ مَنْ هِيَ لَهُ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَسْتَتِرُ فِيهِ ضَمِيرُ الْأَجْنَبِيِّ كَمَا يَسْتَتِرُ ضَمِيرُ غَيْرِ الْأَجْنَبِيِّ، وَلَوْ ظَهَرَتِ الْحَالُ لَقُلْتَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: رَاقِبَهُ فَلَمْ تُظْهِرِ


(١) البيتين في: الصبح المنير: ٢٦٨؛ الأضداد لابن الأنباري: ٣٢٤؛ الخزانة: ١/ ٩٥؛ إصلاح المنطق: ١٧٧؛ الأصمعيات: ٩٠؛ النوادر: ٧٦.
(٢) الكامل للمبرد: ٤/ ٦٥ - ٧١.
(٣) سورة البقرة (٢): الآية ٢٧٢.
(٤) عجزه:
إِذَا سَافّهُ الْعُودُ النَّبَاطِيُّ جَرْجَرَا
ديوانه: ٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>