للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في القرآن المفسر له أن يكون آخذًا بعنان العربية، إذ العربية هي السبيل الموصلة إلى فهم معاني القرآن ودرك مبانيه، والمرقاة لفهم السنة المشرفة وكلام العلماء؛ ومن هجم على نصوص الشريعة مستنطقًا لها ومستنبطًا أحكامها دون نظره في العربية وإحكامه أساليبها، كان حكمه في ذلك حكم من أراد الصعود إلى قُلة جبل سامق في غير ما سبيل، وكان نظره وقتئذٍ مدخولًا، وفهمه كليلًا، وبصره عليلًا.

ولقد عقد ابن فارس في كتابه "الصاحبي في فقه اللغة" بابًا للقول في حاجة أهل الفقه والفتيا إلى معرفة اللغة العربية، بل إنهم جعلوا أول آلات المجتهد فهم العربية فهمًا واسعًا. وجماع الكلام أن من لا يحسن اللسان لا يفهم القرآن ولا سنة النبي العدنان .

إن مقاومة اللحن وتعلم العربية غير مرتبطين بعلو سن ولا بوهن عظام، ولا باشتعال الرأس شيبًا، إنما ذلك له علاقة بعلو الهمة، والإصرار على التعلم. فهذا سيبويه إمام النحويين بلا خلاف، كان أول أمره يصحب الفقهاء وأهل الحديث، وكان يستملي على حماد بن سلمة فاستملي يومًا حديث: (ليس من أصحابي إلا من لو شئت لأخذت عليه ليس أبا الدرداء) (١)، فقال سيبويه: (ليس أبو الدرداء) بالرفع ظنًا منه أنه اسم ليس، فقال له حماد: لحنت يا سيبويه، ليس هذا حيث ذهبت، إنما ليس ها هنا استثناء، فقال سيبويه: سأطلب علمًا لا تلحنني فيه، فلزم الخليل وبرع في العلم (٢)؛ وهذا الإمام أبو الحسن علي بن حمزة الكسائي الأسدي الكوفي المقرئ النحوي، إنما تعلم النحو على الكبر، وكان سبب تعلمه أنه جاء يومًا وقد مشى حتى أعيي فجلس إلى قوم فقال: قد عييت فقالوا له: أتجالسنا وأنت تلحن؟ فقال: كيف لحنت؟ قالوا له: إن كنت أردت من التعب فقل أعييت وإن كنت أردت من انقطاع الحيلة والتحير في الأمر فقل: عييت مخففة، فأنف من هذه الكلمة، ثم قام من


(١) ينظر: الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي: ٢/ ٦٧؛ ومغني اللبيب لابن هشام ص: ٣٨٧؛ وفيض القدير للمناوي: ٦/ ٤٦٣.
(٢) ينظر: بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة: ١/ ٥٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>