عاصم بن عبيد الله عن سالم عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال:"لا يصور عبد صورة إلا قيل له يوم القيامة: أحي ما خلقت". قال أبو الحسن بن المرزبان: كان ابن ماسي من دار كعب ينفذ إلى أبي عمر غلام ثعلب وقتا بعد وقت كفايته ما ينفق على نفسه فقطع عنه مدة لعذر ثم أنفذ إليه جملة ما كان في رسمه وكتب إليه يعتذر فرده وأمر من كتب على ظهر رقعته: أكرمتنا فملكتنا ثم أعرضت عنا فأرحتنا. قلت: وإن كان الأمر كما قال لكنه لم يحسن الرد، إذ قد كان تملكه بالإحسان القديم فما تغير التملك، وأما التأخر فجبره المحسن بتكميله وباعتذاره.
قال الخطيب: وابن ماسي لا شك أنه إبراهيم بن أيوب والد أبي محمد، وأخبرني عباس بن عمر قال: سمعت أبا عمر الزاهد يقول: ترك قضاء حقوق الإخوان مذلة وفي قضاء حقوقهم رفعة. سمعت غير واحد يحكي عن أبي عمر أن الأشراف والكتاب كانوا يحضرون عنده ليسمعوا منه كتب ثعلب وغيرها وكان له جزء قد جمع فيه فضائل معاوية، وكان لا يترك واحدًا منهم يقرأ عليه شيئًا حتى يبتدئ بقراءة ذلك الجزء. وكان جماعة لا يوثقون أبا عمر في علم اللغة حتى قال لي عبيد الله بن أبي الفتح: يقال: إن أبا عمر كان لو طار طائر لقال: أنا ثعلب عن ابن الأعرابي، ويذكر في معنى ذلك شيئًا. فأما الحديث فرأيت جميع شيوخنا يوثقونه فيه، وأخبرنا علي بن أبي علي عن أبيه قال: ومن الرواة الذين لم نر قط أحفظ منهم أبو عمر غلام ثعلب، أملى من حفظه ثلاثين ألف ورقة لغة, فيما بلغني، وجميع كتبه إنما أملاها بغير تصنيف، ولسعة حفظه اتهم وكان يسأل عن الشيء الذي يقدر السائل أنه وضعه فيجيب عنه ثم يسأله عنه غيره بعد سنة فيجيب بجوابه، أخبرت أنه سئل عن قنطرة صحفت فقيل له: ما الهرطنق؟ فقال: هو كذا؛ قال: فتضاحكوا ولما كان بعد شهور هيأنا من سأله عنها فقال: أليس قد سئلت عن هذه منذ شهور وأجبت؟!.
قال الخطيب في تاريخه: حكى لي رئيس الرؤساء أبو القاسم علي بن الحسن عمن حدثه أن أبا عمر الزاهد كان يؤدب ولد القاضي أبي عمر محمد بن يوسف فأملى يومًا على الغلام ثلاثين مسألة في اللغة وختمها ببيتين وحضر ابن دريد وابن الأنباري وأبو بكر بن مقسم عند القاضي فعرض عليهم المسائل فقال ابن الأنباري: أنا مشغول بتصنيف "مشكل القرآن" وقال ابن مقسم, فذكر اشتغاله بالقراءات، فقال ابن دريد: هي من وضع أبي عمر، ولا أصل لشيء منها في اللغة. فبلغ أبا عمر فسأل القاضي إحضار دواوين جماعة عينهم له ففتح خزائنه, أخرج تلك الدواوين، فلم يزل أبو عمر يعمد إلى كل مسألة ويخرج لها شاهدًا ويعرضه على القاضي حتى تممها، ثم قال: والبيتان أنشدناهما ثعلب بحضرة القاضي وكتبهما القاضي على ظهر الكتاب الفلاني؛ فأحضر القاضي الكتاب فوجدهما وانتهى الخبر إلى ابن دريد فما ذكر أبا عمر بلفظة حتى مات.