الخراسانيين والشاميين، ثم دخل بخارى وسمرقند فسكن هناك نحوًا من ثلاثين سنة، وصنف المسند الكبير على الرجال، روى عنه الحاكم وأبو العلاء الواسطي وعلي بن محمد الحذاء وأحمد بن محمد الكاتب وآخرون.
قال ابن أبي الفوارس: صنف أبو مسلم أشياء كثيرة، وكان ثقة زاهدًا ما رأيت مثله. قال الخطيب: جمع أحاديث المشايخ والأبواب، وكان متقنًا حافظًا مع ورع وزهد وتدين، ذكره أبو العلاء يومًا فأطنب في وصفه وقال: كان الدارقطني والشيوخ يعظمونه. وقال الحاكم: دخلت مرو وما وراء النهر ولم ألقه، وفي سنة خمس وستين في الحج طلبته في القوافل فأخفى نفسه، فحججت سنة سبع وستين وعندي أنه بمكة فقالوا: هو ببغداد، فاستوحشت من ذلك وتطلَّبته فلم أظفر به، ثم قال لي أبو نصر الملاحمي ببغداد: هنا شيخ من الأبدال تشتهي أن تراه؟ قلت: بلى, فذهب بي فأدخلني خان الصباغين، فقالوا: اخرج، فقال أبو نصر: تجلس في هذا المسجد فإنه يجيء، فقعدنا وأبو نصر لم يذكر لي من الشيخ فأقبل أبو نصر ومعه شيخ نحيف ضعيف برداء فسلم عليَّ فاتهمت أنه أبو مسلم الحافظ فبينا نحن نحدثه قلت له: وجد الشيخ ههنا من أقاربه أحدًا؟ قال: الذين أردت لقاءهم انقرضوا، فقلت: هل خلف إبراهيم ولدًا, أعني أخاه إبراهيم الحافظ؟ فقال: ومن أين عرفت أخي؟ فسكت، فقال لأبي نصر: من هذا الكهل؟ قال: أبو فلان، فقام إلي وقمت إليه وشكا شوقه وشكوت مثله فاشتفينا من المذاكرة وجالسته مرارًا ثم ودعته يوم خروجي فقال: يجمعنا الموسم, فإن علي أن أجاور بمكة، ثم حج سنة ثمان وستين وجاور إلى أن مات وكان يجهد ألا يظهر لحديث ولا لغيره. قلت: توفي سنة خمس وسبعين وثلاثمائة. أنبأنا المسلم بن محمد أنا الكندي أنا الشيباني أنا أبو بكر الخطيب أخبرني محمد بن علي المقرئ أنا أبو مسلم بن مهران نا عبد المؤمن بن خلف, سمعت صالح بن محمد, سمعت أبا زرعة يقول: كتبت عن رجلين مائتي ألف حديث؛ إبراهيم الفراء وابن أبي شيبة عبد الله.
وفيها توفي الشيخ أبو الحسين أحمد بن محمد بن جعفر البحيري النيسابوري المحدث، وأبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبيد العسكري الدقاق ببغداد، وأبو القاسم عبد العزيز بن جعفر الخرقي البغدادي، وشيخ الشافعية ببغداد وأبو القاسم عبد العزيز بن عبد الله الداركي، ومحدث بغداد ومسندها الإمام أبو حص عمر بن محمد بن علي بن الزيات البغدادي عن تسعين سنة وكان يحتمل أن يذكر في الحفاظ وشيخ مالكية العراق القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله الأبهري وهو في عشر التسعين، ومحدث الشام القاضي أبو بكر يوسف بن القاسم الميانجي وقد قارب تسعين سنة، وأبو الليث نصر بن محمد السمرقندي الفقيه الحنفي صاحب تنبيه الغافلين.