للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

رجل: لا يصح سماعك وأنت تنسخ؛ فقال: فهمى للإملاء خلاف فهمك، أتحفظ كم أملى الشيخ؟ قال: لا أدري، قال: أملى ثمانية عشر حديثًا، الحديث الأول عن فلان عن فلان، ومتنه كذا وكذا، والثاني عن فلان عن فلان ومتنه كذا وكذا، ومر في ذلك حتى أتى على الأحاديث، فتعجب الناس منه, أو كما قال. قال رجاء بن محمد المعدل: قلت للدارقطني: هل رأيت مثل نفسك؟ فقال: قال الله تعالى: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: ٣٢] ؛ قال: فألححت عليه فقال: لم أر أحدًا جمع ما جمعت. وقال أبو ذر الحافظ: قلت للحاكم: هل رأيت مثل الدارقطني؟ فقال: هو لم يرد مثل نفسه، فكيف أنا؟ رواها الخطيب أبو بكر في تاريخه عن أبي الوليد الباجي عن أبي ذر. وكان عبد الغني إذا ذكر الدارقطني قال: أستاذي.

قال القاضي أبو الطيب الطبري: الدارقطني أمير المؤمنين في الحديث. وقال الخطيب: قال لي أبو القاسم الأزهري: كان الدارقطني ذكيًّا إذا ذكر شيئًا من العلم أي نوع كان, وجد عنده منه نصيب وافر، لقد حدثني محمد بن طلحة النعالي أنه حضر مع الدارقطني دعوة فجرى ذكر الأكلة فاندفع الدارقطني يورد نوادر الأكلة حتى قطع أكثر ليلته بذلك. قال الأزهري: رأيت الدارقطني أجاب ابن أبي الفوارس عن علة حديث أو اسم، فقال: يا أبا الفتح ليس بين الشرق والغرب من يعرف هذا غيرى.

قال الخطيب في ترجمة الدارقطني: سألت البرقاني: هل كان أبو الحسن يملي عليك العلل من حفظه؟ قال: نعم، وأنا الذي جمعتها وقرأها الناس من نسختي؛ وحدثنا العتيقي قال: حضرت مجلس الدارقطني وجاءه أبو الحسن البيضاوي برجل غريب وسأله أن يملي عليه أحاديث فأملى عليه من حفظه مجلسًا يزيد أحاديثه على العشرين, متون جميعها: نعم الشيء الهدية أمام الحاجة. فانصرف الرجل ثم جاءه بعد وقد أهدى له شيئًا فقربه إليه فأملى عليه من حفظه سبعة عشر حديثًا متونها: إذا جاءكم كريم قوم فأكرموه.

قلت: هنا يخضع للدارقطني ولسعة حفظه الجامع لقوة الحافظة ولقوة الفهم والمعرفة، وإذا شئت أن تبين براعة هذا الإمام الفرد فطالع العلل له فإنك تندهش ويطول تعجبك. قال السلمي: سمعت الدارقطني يقول: ما شيء أبغض إليَّ من الكلام. قال ابن طاهر: اختلفوا ببغداد فقال قوم: علي أفضل من عثمان -رضي الله عنهما- فتحاكموا إلى الدارقطني قال: فأمسكت وقلت: الإمساك خير, ثم لم أر لدينى السكوت وقلت: عثمان أفضل لاتفاق جماعة أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- على هذا، وهو قول أهل السنة وهو أول عقد يحل من الرفض.

قال ابن طاهر: للدارقطني مذهب خفي في التدليس يقول فيما لم يسمعه من البغوي:

<<  <  ج: ص:  >  >>