عليهم وكان ذلك من كرامته, يعني أنه كان مختفيًا. قال الحافظ ابن طاهر المقدسي: سمعت عبد الوهاب الأنماطي يقول: رأيت بخط أبي بكر الخطيب, سألت محمد بن إبراهيم العطار مستملي أبي نعيم عن جزء محمد بن عاصم:
كيف قرأته على أبي نعيم؟ قال: أخرج إليَّ نسخته, وقال: هو سماعي؛ فقرأته عليه.
قال الخطيب: قد رأيت لأبي نعيم أشياء يتساهل فيها, منها أنه يقول في الإجازة: أخبرنا من غير أن يبين. قال الحافظ ابن النجار: جزء محمد بن عاصم قد رواه الأثبات عن أبي نعيم، والحافظ الصدوق إذا قال: هذا الكتاب سماعي, جاز أخذه عنه بإجماعهم.
قلت: وقول الخطيب: كان يتساهل في الإجازة, إلى آخره، فهذا ربما فعله نادرا فإني رأيته كثيرًا ما يقول: كتب إلى جعفر بن الخلدي، و: كتب إلى أبي العباس الأصم، و: أنا أبو الميمون بن راشد في كتابه، ولكني رأيته يقول: أنا عبد الله بن جعفر فيما قرئ عليه، فالظاهر أن هذا إجازة. وحدثني أبو الحجاج الحافظ أنه رأى بخط الحافظ ضياء الدين المقدسي قال: وجدت أبي الحجاج يوسف بن خليل أنه قال: رأيت أصل سماع أبي نعيم بجزء محمد بن عاصم.
قلت: فبطل ما تخيله الخطيب. قال يحيى بن منده الحافظ: سمعت أبا الحسين القاضي يقول: سمعت عبد العزيز النخشبي يقول: لم يسمع أبو نعيم مسند الحارث بن أبي أسامة بتمامه من ابن خلاد فحدث به كله، قال ابن النجار: وهم في هذا فأنا رأيت نسخة الكتاب عتيقة وعليها خط أبي نعيم يقول: سمع مني فلان إلى آخر سماعي من هذا المسند من ابن خلاد؛ فلعله روى باقيه بالإجازة؛ ثم تمثل ابن النجار ببيت:
لو رجم النجم جميع الورى ... لم يصل الرجم إلى النجم
ولأبي نعيم تصانيف مشهورة ككتاب معرفة الصحابة، وكتاب دلائل النبوة في مجلدين، وكتاب المستخرج على البخاري، والمستخرج على مسلم، وكتاب تاريخ أصبهان، وصفة الجنة، وكتاب الطب، وكتاب فضائل الصحابة، وكتاب المعتقد، وأشياء صغار سمعنا بعضها يعمل فيها الواهيات ويكاسر عنها كدأب غيره من المحدثين، والله الموعد. ولأبي عبد الله بن منده حط على أبي نعيم صعب من قبل المذهب, كما للآخر حط عليه لا ينبغي أن يلتفت إلى ذلك للواقع الذي بينهما.
مات أبو نعيم في العشرين من المحرم سنة ثلاثين وأربعمائة عن أربع وتسعين سنة, فهو والبرقان وأبو ذر والصوري أهل الطبقة التاسعة من أربعين لطبقات لابن المفضل.
وفيها مات مسند العراق الواعظ أبو القاسم عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن