للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

قال عبد الغافر في تاريخه: كان البيهقي على سيرة العلماء قانعا باليسير متجملا في زهده وورعه. وعن إمام الحرمين أبي المعالي قال: ما من شافعي إلا وللشافعي عليه منة إلا أبا بكر البيهقي, فإن له المنة على الشافعي لتصانيفه في نصرة مذهبه.

قال أبو الحسن عبد الغافر في ذيل تاريخ نيسابور: أبو بكر البيهقي الفقيه الحافظ الأصولي الدين الوَرِع واحد زمانه في الحفظ وفرد أقرانه في الإتقان والضبط من كبار أصحاب الحاكم ويزيد عليه بأنواع من العلوم. كتب الحديث وحفظه من صباه وتفقه وبرع وأخذ في الأصول وارتحل إلى العراق والجبال والحجاز ثم صنف, وتواليفه تُقارب ألف جزء مما لم يسبقه إليه أحد، جمع بين علم الحديث والفقه وبيان علل الحديث ووجه الجمع بين الأحاديث، طلب منه الأئمة الانتقال من الناحية إلى نيسابور لسماع الكتب, فأتى في سنة إحدى وأربعين وعقدوا له المجلس لسماع كتاب المعرفة وحضره الأئمة، وكان على سيرة العلماء قانعًا باليسير. وقال شيخ القضاة أبو علي إسماعيل بن البيهقي: نا أبي قال: حين ابتدأت بتصنيف هذا الكتاب -يعني كتاب معرفة السنن والآثار- وفرغت من تهذيب أجزاء منه, سمعت الفقيه محمد بن أحمد وهو من صالحي أصحابي وأكثرهم تلاوة وأصدقهم لهجة يقول: رأيت الشافعي في النوم وبيده جزء من هذا الكتاب وهو يقول: قد كتبت اليوم من كتاب الفقيه أحمد سبعة أجزاء أو قال: قرأتها ورآه يعيد ذلك. قال: وفي صباح ذلك اليوم رأى فقيه آخر من إخواني الشافعي قاعدًا في الجامع على سرير وهو يقول: استفدت اليوم من كتاب الفقيه حديث كذا وكذا؛ وأخبرنا والدي, سمعت الفقيه أبا محمد الحسن بن أحمد السمرقندي الحافظ يقول: سمعت الفقيه محمد بن عبد العزيز المروزي يقول: رأيت في المنام كأنّ تابوتًا علا في السماء يعلوه نور فقلت: ما هذا؟ قال: هذه تصنيفات أحمد البيهقي. ثم قال شيخ القضاة: وسمعت الحكايات الثلاث من الثلاثة المذكورين.

أخبرنا أحمد بن هبة الله بن أحمد أنبأتنا زينب بنت عبد الرحمن أنا محمد بن إسماعيل الفارسي أنا أبو بكر البيهقي أنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد أنا أبو بكر بن حجة نا أبو الوليد نا عمرو بن العلاء اليشكري عن صالح بن سرج عن عمران بن حطان عن عائشة قالت: قال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم: "يؤتى بالقاضي العدل يوم القيامة فيلقى من شدة الحساب ما يتمنى أنه لم يقضِ بين اثنين في تمرة قط".

قلت: حضر في أواخر عمره من بيهق إلى نيسابور، وحدث بكتبه، ثم حضره الأجل في عاشر جمادى الأولى من سنة ثمانٍ وخمسين وأربعمائة, فنقل في تابوت فدفن ببيهق, هي ناحية من أعمال نيسابور على يومين منها، وخُسروجِرد هي أم تلك الناحية.

حدث عنه شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري بالإجازة وأبو الحسن عبيد الله بن

<<  <  ج: ص:  >  >>