أخذ المنطق عن محمد بن الحسن المذحجي وأمعن فيه, فبقي فيه قسط من نحلة الحكماء.
قال أبو حامد الغزالي: وجدت في أسماء الله تعالى كتابًا ألفه أبو محمد بن حزم يدل على عظم حفظه وسيلان ذهنه. وقال صاعد بن أحمد: كان ابن حزم أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام، وأوسعهم معرفة مع توسعه في علم اللسان، ووفور حظه من البلاغة والشعر، ومعرفته بالسنن والآثار والأخبار، أخبرني ولده الفضل أنه اجتمع عنده بخط أبيه أبي محمد من تواليفه أربعمائة مجلد تحتوي على نحو من ثمانين ألف ورقة. قال الحميدي: كان أبو محمد حافظًا للحديث وفقهه, مستنبطًا للأحكام من الكتاب والسنة, متفننًا في علوم جمة, عاملًا بعلمه ما رأينا مثله فيما اجتمع له من الذكاء وسرعة الحفظ وكرم النفس والتدين، وكان له في الأدب والشعر نفس واسع وباع طويل, ما رأيت من يقول الشعر على البديهة أسرع منه، وشعره كثير جمعته على حروف المعجم.
قال أبو القاسم صاعد: كان أبوه أبو عمر أحمد من وزراء المنصور محمد بن أبي عامر ثم وزر للمظفر بن المنصور ووزر أبو محمد للمستظهر بالله عبد الرحمن بن هشام ثم نبذ الوزارة وأقبل على العلم وبرع في المنطق ثم أعرض عنه وأقبل على علوم الإسلام فنال ما لم ينله أحد. وقال أليسع بن حزم الغافقي: أما محفوظ أبي محمد فبحر عجاج وماء ثجاج يخرج من بحره مرجان الحكم وينبت بثجاجه ألفاف النعم في رياض الهمم، لقد حفظ علوم المسلمين وأربى على أهل كل دين، وألف الملل والنحل، كان أولا يلبس الحرير، ولا يرضى من المكانة إلا بالسرير، مدح المعتمد فأجاد وقصد بلنسية وبها المظفر أحد الأطواد, حدثني عنه عمر بن واجب قال: بينما نحن عند أبي ببلنسية وهو يدرس المذهب إذا بأبي محمد بن حزم يسمعنا ويتعجب ثم سأل الحاضرين عن شيء من الفقه جووب عليه فاعترض فيه فقال له بعض الحضار: هذا العلم ليس من منتحلاتك, فقام وقعد ودخل منزله فعكف، ووكف منه وابل فما كف، وما كان بعد أشهر قريبة حتى قصدنا إلى ذلك الموضع فناظر أحسن مناظرة قال فيها: أنا أتبع الحق وأجتهد ولا أتقيد بمذهب.
قال القاضي أبو بكر بن العربي, وقد حط في كتاب القواصم والعواصم على الظاهرية: هي أمة سخيفة تسورت على مرتبة ليست لها وتكلمت بكلام لم تفهمه تلقفوه من إخوانهم الخوارج حيث تقول: لا حكم إلا لله، وكان أول بدعة لقيت في رحلتي القول بالباطن, فلما عدت جدت القول بالظاهر قد ملأ به المغرب سخيف كان من بادية إشبيلية يعرف بابن حزم, نشأ وتعلق بمذهب الشافعي ثم انتسب إلى داود ثم خلع الكل واستقل بنفسه وزعم أنه إمام الأمة يضع ويرفع ويحكم ويشرع ينسب إلى دين الله ما ليس فيه ويقول