إمامًا في الحديث وعلله ورواته متحققًا في علم التحقيق والأصول على مذهب أصحاب الحديث بموافقة الكتاب والسنة فصيح العبارة متبحرًا في علم الأدب والعربية والترسل، وله كتاب الجمع بين الصحيحين، وتاريخ الأندلس، وجمل تاريخ الإسلام، وكتاب الذهب المسبوك في وعظ الملوك، وكتاب الترسل، وكتاب مخاطبات الأصدقاء، وكتاب حفظ الجار، وكتاب ذم النميمة, وله شعر رصين في المواعظ والأمثال. قال السلفي: سألت أبا عامر العبدري عن الحميدي فقال: لا يرى قط مثله وعن مثله لا يسأل، جمع بين الفقه والحديث والأدب ورأى علماء الأندلس وكان حافظًا. وعن الحميدي قال: صيرني الشهاب شهابًا وهو كان يقصد في سماعه كثيرًا, قال أبو علي الصدفي: كان يدلني على الشيوخ وكان متقللا من الدنيا يمونه بن رئيس الرؤساء ثم جرت لي معه قصص أوجبت انقطاعي عنه وكان يبيت عند بن رئيس الرؤساء كل ليلة، وحدثني أبو بكر بن الخاضبة أنه ما سمع يذكر الدنيا قط.
وقال بن طرخان: سمعت الحميدي يقول: ثلاثة كتب من علوم الحديث يجب الاهتمام بها؛ كتاب العلل وأحسن ما وضع فيها كتاب الدارقطني، وكتاب المؤتلف والمختلف وأحسن ما وضع فيه الإكمال للأمير بن ماكولا، وكتاب وفيات المشايخ, وليس فيه كتاب, وقد كنت أردت أن أجمع في ذلك كتابًا فقال لي الأمير: رتبه على حروف المعجم بعد أن ترتبه على السنين. قال بن طرخان: فاشتغل بالصحيحين إلى أن مات. قلت: وقد قبلنا إشارة الأمير وعملنا "تاريخ الإسلام" على ما رسم الأمير. قال الحميدي في تاريخه: أنا أبو عمر بن عبد البر أنا عبد الله بن محمد الجهني بمصنف النسائي قراءة عليه عن حمزة الكناني عنه. قال القاضي عياض: أبو عبد الله محمد بن أبي نصر الأندلسي الأزدي سمع بميورقة من أبي محمد بن حزم قديمًا وكان يتعصب له ويميل إلى قوله وكان قد أصابته فيه فتنة ولما شدد على بن حزم خرج الحميدي إلى المشرق.
قلت: روى عنه يوسف بن أيوب الهمذاني الزاهد ومحمد بن طرخان وأبو عامر العبدري وإسماعيل بن محمد الطلحي ومحمد بن علي الجلابي والحسين بن الحسن المقدسي وأبو عبد الله الحسين بن نصر بن محمد بن خميس والحافظ محمد بن ناصر وإسماعيل بن السمرقندي وصديق بن عثمان التبريزي وأبو إسحاق بن نبهان الغنوي وأبو الفتح محمد بن البطي وشيخه أبو بكر الخطيب وآخرون. وكان صاحب حديث كما ينبغي علمًا وعملًا وكان ظاهريًّا وير ذلك بعض الإسرار. مات في سابع عشر ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة وأمهم عليه الإمام أبو بكر الشاشي بجامع القصر ودفن بمقبرة باب أبرز بقرب قبر الشيخ أبي إسحاق الشيرازي ثم إنهم نقلوه بعد سنتين إلى مقبرة باب حرب