قال بن طاهر: ما كان في الدنيا أحد أحسن قراءة للحديث من بن الخاضبة في وقته، لو سمع بقراءته إنسان يومين لما مل قراءته. قال السلفي: سألت أبا الكرم خميسًا الحوزي عن بن الخاضبة فقال: كان علامة في الأدب قدوة في الحديث جيد اللسان جامعًا لخلال الخير ما رأيت ببغداد من أهلها أحسن قراءة للحديث منه ولا أعرف بما يقوله. قال بن النجار: كان بن الخاضبة ورعًا تقيًّا زاهدًا ثقة محبوبًا إلى الناس روى اليسير. وقال علي بن محمد الفصيحي: ما رأيت في أصحاب الحديث أقوم باللغة من بن الخاضبة. وقال السلفي: سألت أبا عامر العبدري عنه فقال: كان خير موجود في وقته، وكان لا يحفظ إنما يعول على الكتب. وقال بن طاهر: سمعت بن الخاضبة, وكنت ذكرت له أن بعض الهاشميين حدثني بأصبهان أن أبا الحسين بن المهتدي بالله يرى الاعتزال، فقال: لا أدري ولكن أحكي لك، لما كان سنة الغرق وقعت داري على قماشي وكتبي ولم يكن لي شيء وكان عندي الوالدة والزوجة والبنات فكنت أنسخ وأنفق عليهن، فأعرف أني كتبت صحيح مسلم في تلك السنة سبع مرات, فلما كان ليلة من الليالي رأيت كأن القيامة قامت ومنادٍ ينادى: أين بن الخاضبة؟ فأحضرت فقيل لي: ادخل الجنة، فلما دخلت الباب وصرت من داخل استلقيت على قفاي ووضعت إحدى رجلي على الأخرى وقلت: استرحت والله من النسخ، فرفعت رأسي فإذا ببغلة في يد غلام فقلت: لمن هذه؟ قال: للشريف أبي الحسين الغريق، فلما أصبحت نعي إلينا الشريف. قال بن عساكر: سمعت أبا الفضل محمد بن محمد بن عطاف يحكي أنه طلع في بعض بني الرؤساء ببغداد أصبع زائدة, فاشتد ألمه ليلة فدخل عليه بن الخاضبة فمسح عليها وقال: أمرها يسير، فلما كانت تلك الليلة نام وانتبه فوجدها قد سقطت, أو كما قال. توفي بن الخاضبة في ثاني ربيع الأول سنة تسع وثمانين وأربعمائة وكانت جنازته مشهودة وختم على قبره ختمات.
وفيها مات المحدث المسند أبو طاهر أحمد بن الحسن بن أحمد بن الباقلاني الكرخي ببغداد عن ثلاث وسبعين سنة، ومقرئ بغداد أبو بكر أحمد بن عمر بن أبي الأشعث السمرقندي عن إحدى وثمانين سنة، وأبو عبد الله الحسين بن محمد بن الحسين بن السراج البغدادي، والمحدث القاضي أبو محمد عبد الله بن يوسف الجرجاني مصنف مناقب الشافعي، والمحدث المفيد أبو منصور عبد المحسن بن محمد بن علي الشيحي السفار، وإمام اللغة بالأندلس أبو مروان عبد الملك بن سراج بن عبد الله الأموي مولاهم القرطبي، ومسند أصبهان ورئيسها أبو عبد الله القاسم بن الفضل الثقفي شيخ السلفي عن بضع وتسعين سنة، ومسند هراة وزاهدها الإمام أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد العميري, وأول سماعه في سنة سبع وأربعمائة، وشيخ المشايخ أبو منصور