المحب, وسرد جماعة. قال بن النجار: كان ثقة ثبتًا حسن الطريقة متدينًا فقيرًا متعففًا نظيفًا نزهًا، وقف كتبه وخلف ثيابًا خليعة وثلاثة دنانير، ولم يعقب، سمعت بن سكينة وابن الأخضر وغيرهما يكثرون الثناء عليه ويصفونه بالحفظ والإتقان والديانة والمحافظة على السنن والنوافل، وسمعت جماعة من شيوخي يذكرون أن بن ناصر وابن الجواليقي كانا يقرآن الأدب على أبي زكريا التبريزي ويطلبان الحديث فكان الناس يقولون: يخرج بن ناصر لغوي بغداد، وابن الجواليقي محدثها، فانعكس الأمر وانقلب. قلت: قد كان بن ناصر أيضًا رأسًا في اللغة. قال: وسمعت بن سكينة يقول: قلت لابن ناصر: أريد أن أقرأ عليك ديوان المتنبي وشرحه لأبي زكريا، فقال: إنك دائمًا تقرأ علي الحديث مجانًا وهذا شعر ونحن نحتاج إلى نفقة. فأعطاني أبي خمسة دنانير فدفعتها إليه وقرأت عليه الكتاب.
وقال السلفي: سمع بن ناصر معنا كثيرًا وهو شافعي أشعري، ثم انتقل إلى مذهب أحمد في الأصول والفروع ومات عليه، وله جودة حفظ وإتقان وحسن معرفة وهو ثبت إمام. وقال أبو موسى المديني: هو مقدم أصحاب الحديث في وقته ببغداد. بن النجار: قرأت بخط بن ناصر وأخبرنيه يحيى بن الحسين عنه سماعًا قال: بقيت سنين لا أدخل مسجد أبي منصور الخياط واشتغلت بالأدب على التبريزي فجئت يومًا لأقرأ الحديث فقال: يا بني تركت قراءة القرآن واشتغلت بغيره عُدْ واقرأ عليّ ليكون لك إسناد؛ فعدت عليه في سنة اثنتين وتسعين ولبثت أقول كثيرًا: اللهم بين لي أي المذاهب خير؛ وكنت مرارًا قد مضيت إلى القيرواني المتكلم في كتاب التمهيد للباقلاني وكأن من يردني عن ذلك فرأيت في المنام كأني قد دخلت المسجد إلى أبي منصور وبجنبه رجل عليه ثياب بيض ورداء على عمامته يشبه الثياب الريقية دُري اللون عليه نور وبهاء فسلمت عليه وجلست بين يديهما، ووقع في نفسي للرجل هيبة وإنه رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فلما جلست التفت إليَّ وقال لي: عليك بمذهب هذا الشيخ، عليك بمذهب هذا الشيخ، ثلاث مرات، فانتبهت مرعوبًا وجسمي يرجف فقصصت ذلك على والدتي وبكرت إلى الشيخ لأقرأ عليه فقصصت عليه الرؤيا فقال: يا ولدي ما مذهب الشافعي إلا حسن ولا أقول لك اتركه، ولكن لا تعتقد اعتقاد الأشعري؛ فقلت: ما أريد أن أكون نصفين، وأا أشهدك وأشهد الجماعة أنني اليوم على مذهب أحمد بن حنبل في الأصول والفروع؛ فقال لي: وفقك الله؛ ثم أخذت في سماع كتب أحمد ومسائله والتفقه على مذهبه، وذلك في رمضان سنة ثلاث وتسعين.
قلت: روى عنه السلفي وابن عساكر وأبو موسى والسمعاني وابن الجوزي وابن سكينة وابن الأخضر وعبد الرزاق ويحيى بن الربيع الفقيه والكندي ومحمد بن البناء