وسبعين وأربعمائة وأصله أندلسي، تحول جده إلى فاس ثم سكن سبتة، أجازه القاضي الحافظ أبو علي الغساني، وكان يمكنه السماع منه وهو ابن عشرين سنة وإنما دخل القاضي إلى الأندلس بعد موته فأخذ عن محمد بن حمدين وأبي علي بن سكرة وأبي الحسين بن سراج وأبي محمد بن عتاب وهشام بن أحمد وأبي بحر بن العاص وخلق وتفقه بأبي عبد الله محمد بن عيسى التميمي والقاضي أبي عبد الله محمد بن عبد الله المسيلي، وصنف التصانيف التي سارت بها الركبان واشتهر اسمه وبعد صيته.
قال ابن بشكوال: هو من أهل العلم والتفنن والذكاء والفهم استقضى بسبتة مدة طويلة حمدت سيرته فيها ثم نقل عنها إلى قضاء غرناطة فلم تطل مدته فيها وقدم علينا قرطبة فأخذنا عنه.
قال الفقيه محمد بن حمادة السبتي: جلس القاضي للمناظرة وله نحو من ثمان وعشرين سنة، وولي القضاء وله خمس وثلاثون سنة، فسار بأحسن سيرة، كان هينًا من غير ضعف صليبًا في الحق، تفقه على أبي عبد الله التميمي وصحب أبا إسحاق بن جعفر الفقيه ولم يكن أحد بسبتة في عصره أكثر تواليف منه.
وله كتاب "الشفاء في شرف المصطفى" وكتاب "ترتيب المدارك وتقريب المسالك في ذكر فقهاء مذهب مالك" وكتاب "العقيدة" وكتاب "شرح حديث أم زرع" وكتاب "جامع التاريخ" الذي أربى على جميع المؤلفات جمع فيه أخبار ملوك الأندلس والمغرب واستوعب فيه أخبار سبتة وعلماءها، وله كتاب "مشارق الأنوار في اقتفاء صحيح الآثار" من الموطأ والصحيحين, إلى أن قال: وحاز من الرياسة في بلده ومن الرفعة ما لم يصل إليه أحد قط من أهل بلده، وما زاده ذلك إلا تواضعًا وخشية لله، وله من المؤلفات الصغار أشياء لم نذكرها.
قال القاضي شمس الدين بن خلكان: هو إمام الحديث في وقته وأعرف الناس بعلومه وبالنحو واللغة وكلام العرب وأيامهم وأنسابهم، قال: ومن تصانيفه كتاب "الإكمال في شرح مسلم" كمل به كتاب "المعلم" للمازري ومنها كتاب "مشارق الأنوار" في تفسير غرائب الحديث، وكتاب "التنبيهات" فيه فوائد وغرائب، وكل تواليفه بديعة، وله شعر حسن, فمنه ما رواه عنه ابنه قاضي دانية أبو عبد الله محمد بن عياض:
انظر إلى الزرع وخاماته ... تحكى وقد ماست أمام الرياح
كتيبة خضراء مهزومة ... شقائق النعمان فيها جراح
قلت: روى عنه خلق كثير منهم عبد الله بن محمد الأشيري وأبو جعفر بن القصير