ولد بالمريّة سنة أربع وخمسمائة، وقرأ بالروايات على أحمد بن عبد الرحمن القصبي وأبي القاسم بن أبي رجاء البلوي والأصبغ بن أليسع، وتفقه بأبي القاسم بن وردان وأبي الحسن بن نافع، وسمع منهما ومن أبي عبد الله بن وضاح وعبد الحق بن غالب وعلي بن إبراهيم الأنصاري وأبي الحسن بن موهب، وارتحل إلى قرطبة فلحق بها يونس بن مغيث فسمع منه ومن جعفر بن محمد بن مكي وقاضي الجماعة محمد بن أصبغ والقاضي أبي بكر بن العربي، وأخذ الأدب عن محمد بن أبي زيد النحوي فبرع في النحو، ولما تغلبت الروم على المريّة سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة خرج إلى مرسية ثم سكن جزيرة شقر وولي القضاء والخطابة بها ثنتي عشرة سنة ثم نقل إلى خطابة مرسية وولي القضاء بها عام خمسة وسبعين وخمسمائة فحمدت أحكامه مع ضيق في خلقه، وكان من أعلام الحديث بالأندلس بارعًا في معرفة غريبه، ولم يكن أحد يجاريه في معرفة الرجال قال الأبار: سمعت أبا سليمان بن حوط الله يقول: سمعت أبا القاسم بن حبيش يقول: إنه مر عليه وقت يذكر فيه تاريخ أحمد بن أبي خيثمة أو أكثره، ولهُ خطب حسان. وقال ابن الزبير: هو أعلم أهل طبقته بصناعة الحديث وأبرعهم في ذلك مع مشاركته في علوم، وكان من العلماء العاملين أمعن الناس في الأخذ عنه.
قال أبو عبد الله بن عباد: كان عالمًا بالقراءات إمامًا في علم الحديث عارفًا بعلله واقفًا على رجاله لم يكن بالأندلس من يجاريه فيه، أقرّ له بذلك أهل عصره، مع تقدمه في اللغة والأدب واستقلاله بغير ذلك من جميع الفنون، قال: وكان له حظ من البلاغة والبيان صارمًا في أحكامه جزلا في أموره، تصدر للإقراء والتسميع والعربية، وكانت الرحلة إليه في زمانه، وطال عمره، وله "كتاب المغازي" في عدة مجلدات حمله عنه الناس.
قال الأبار: مات بمرسية في رابع عشر صفر سنة أربع وثمانين وخمسمائة عن ثمانين سنة، وكاد يهلك أناس من الزحمة على نعشه. قلت: حمل عنه خلق كثير منهم أحمد بن محمد الطرسوسي وأبو سليمان بن حوط الله ومحمد بن وهب الفهري ومحمد بن الحسن اللخمي الداني ومحمد بن إبراهيم بن صلتان ومحمد بن أحمد بن حيون المرسي ومحمد بن محمد بن أبي السداد ونذير بن وهب وعبد الله بن الحسن المالَقي بن القُرطبي وعمر بن دحية وأخوه وعلي بن يوسف بن الشريك وعلي بن أبي العافية القسطلي؛ وروى عنه بالإجاة الأستاذ أبو علي الشلوبين.
ومات معه في العام الأمير الكبير مؤيد الدولة أبو المظفر أسامة بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الكناني الشيرازي حامل لواء الأبطال وشاعر الشام عن سبع وتسعين سنة، والمحدث المفيد أبو محمد عبد الله بن علي بن سويدة التكريتي وقد شاخ، والمعمر