علماء المسلمين الناصحين حين سئلوا عن ذلك، من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر:(أن بني إسرائيل افترقت على اثنتين وسبعين فرقة، وأن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة: اثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة.) وقد ظهر ما أخبر به صلى الله عليه وسلم من افتراق أمته على هذه الفرق وتبين صدقه صلى الله عليه وسلم وتحقق. ولم يكن أحد في مغربنا من هذه الطوائف فيما سلف، إلى أن ظهرت هذه الطائفة الأمية الجاهلة الغبية الذين ولعوا بجمع أقوام جهال فتصدوا إلى العوام الذين صدورهم سالمة، وعقولهم قاصرة، فدخلوا عليهم من طريق الدين وأنهم لهم من الناصحين وأن هذه الطريقة التي هم عليها هي طريق المحبين فصاروا يحضونهم على التوبة والإيثار والمحبة وصدق الأخوة، وإماتة الحظوظ والشهوة وتفريغ القلب إلى الله بالكلية، وصرفه إليه بالقصد والنية. وهذه الخصال محمودة في الدين فاضلة، إلا أن الذين في ضمنه على مذاهب القوم سموم قاتلة، وطامات هائلة. وهذه الطائفة أشد ضررا على المسلمين من مردة الشياطين، وهي أصعب الطوائف للعلاج، وأبعدها عن فهم طرق الاحتجاج لأنهم أول أصل أصلوه في مذهبهم بغض العلماء والتنفير عنهم، ويزعمون أنهم عندهم قطاع الطريق المحجوبون بعلمهم عن رتبة التحقيق، فمن كانت هذه حالته، سقطت مكالمته، وبعدت معالجته، فليس للكلام معه فائدة، والمتكلم معه يضرب في حديد بارد، وإنما كلامنا مع من لم ينغمس في خابيتهم. ومن لم يسقط في مهواتهم، لعله يسلم من عاديتهم وينجو من غاويتهم.
واعلموا أن هذه البدعة في فساد عقائد العوام، أسرع من سريان السم في الأجسام، وأنها أضر في الدين من الزنى والسرقة وسائر المعاصي والآثام، فإن هذه المعاصي كلها معلوم قبحها عند من يرتكبها ويجتلبها، فلا يلبس مرتكبها على أحد، وترجى له التوبة منها والإقلاع عنها، وصاحب هذه البدعة يرى أنها أفضل الطاعات وأعلى القربات فباب التوبة عنده مسدود، وهو عنه شرود مطرود. فكيف ترجى له منها التوبة وهو يعتقد أنها طاعة وقربة؟